للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهُ اللَّهِ

، محق الآثار بإفلاك الأنوار، وانمحت الأنوار بأحدية الأسرار، وانفرد بالوجود الواحد القهار، ولله درّ القائل:

مُذْ عَرفْتُ الإِلَهَ لَمْ أَرَ غَيْراً ... وكَذّا الْغَيْرُ عندنا ممنوع

مُذْ تَجَمَّعْتْ مَا خَشيتُ افْتِراقًا ... فأَنّا اليَوْمَ وَاصلٌ مجموع

وقال آخر: «١»

فالكلُّ دونَ اللهِ إنْ حَققتَهُ ... عَدم عَلَى التفصيلِ والإجمالِ

مَن لاَ وجُودَ لذاتهِ مِنْ ذاتِهِ ... فوجُودُهُ لولاهُ عينُ مُحَالِ

وقال صاحب العينية:

تَجلَّى حَبِيبي فِي مَرَائِي جَمَالِهِ ... فَفِي كُلِّ مَرْئِيّ لِلْحَبِيبِ طَلاَئِعُ

فَلَمَّا تَبَدَّى حُسْنُه مُتَنوعاً ... تَسمَّى بأسْماءٍ فهُنَّ مَطالِعُ

وقال الششتري:

مَحْبوبي قدْ عَمَّ الوجودْ ... وقدْ ظهرَ في بيضٍ وسُودْ

قال بعض السلف: (دخلت ديرا فجاء وقت الصلاة، فقلت لبعض النصارى: دُلني على بقعة طاهرة أصلي فيها، فقال لي: طهر قلبك عما سواه، وقف حيث شئت، قال: فخَجِلت منه) . ويحكى عن أبى يزيد رضي الله عنه أنه كان يصلي إلى أي جهة شاء، ويتلو هذه الآية، «٢» فالوجه عند أهل التحقيق هو عين الذات، يعني أسرار الذات وأنوار الصفات. قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي: كل شيء فانٍ ومستهلك في الحال والاستقبال إلا ذاته المقدسة، وأنشدوا:

فالعارِفُون فَنَوْا بأَن لَمْ يَشْهَدُوا ... شَيْئاً سِوَى المُتَكَبِّرِ المتَعالِي

ورَأوْا سواهُ عَلَى الحقيقةِ هَالِكاً ... فِي الحالِ وَالْمَاضِي والاستقبال


(١) وهو الشيخ أبو مدين.
(٢) التوجه نحو البيت الحرام شرط من شروط صحة الصلاة لقوله تعالى: «ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام» .
وأما آية: «فأينما تُولوا فَثَمّ وجه الله» ، فسبق أنها نزلت فى مناسبة مخصوصة، وقيل: إنها منسوخة. وقيل: المعنى: أينما كنتم فى شرق وغرب فثم وجه الله الذي أمرنا باستقباله وهو الكعبة الشريفة. وما حكى عن أبى يزيد- إن صح- فهو من قبيل الشطحات فلا نأخذ بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>