للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: لقد منّ الله على المتوجهين إليه الطالبين لمعرفته، حيث بعث لهم من يأخذ بأيديهم، ويطوي مسافة البعد عنهم، وهم شيوخ التربية، يتلون عليهم آياته الدالة على كشف الحجاب وفتح الباب، ويزكيهم من دنس العيوب المانعة لعلم الغيوب، ثم يزكيهم من درن الحس إلى مشاهدة القرب والأنس، ويعلمهم الكتاب المشتمل على عين التحقيق، والحكمة المشتملة على التشريع وبيان الطريق، فيجمعون لهم ما بين الحقيقة والشريعة، وقد كانوا قبل ذلك في ضلال مبين عن الجمع بينهما. وهذه المنّة عامة في كل زمان، إذ لا تخلو الأرض من داع يدعو إلى الله، ومن اعتقد قطعه فقد قطع منّة الله، واستعجز قدرة الله، وسد باب الرحمة في وجه عباد الله، والعياذ بالله.

ولما استغرب الصحابة- رضى الله عنهم- ما وقع بهم يوم أحد، مع كونهم وعدوا النصر، نبههم الحق تعالى أن ذلك منهم بشؤم مخالفتهم، فقال:

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٦٥]]

أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥)

قلت: الهمزة- للتفريع، و (لَمَّا) : ظرف، خافضة لشرطها، منصوبة بجوابها، وهي معطوفة على محذوف، أي: أكان ما كان يوم أحد، ولمّا أصابتكم مصيبة، قلتم ما قلتم، و (قد أصبتم) : جملة حالية.

يقول الحق جلّ جلاله: أحين أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ يوم أحد بقتل سبعين منكم، وقَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها يوم بدر فقتلتم سبعين وأسرتم سبعين، قُلْتُمْ أَنَّى هذا أي: من أين أصابنا هذا البلاء وقد وعدنا النصر؟ قُلْ لهم: هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ أي: مما اقترفته أنفسكم من مخالفة المركز، والنصر الموعود كان مشروطاً بالثبات والطاعة، فلما اختل الشرط اختل المشروط، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على النصر بشرط وبغيره، لكن حكمته اقتضت وجود الأسباب والشروط لأن هذا العالم قائم بين قدرة وحكمة.

أو: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) باختياركم الفداء يوم بدر. رُوِيَ عن على رضي الله عنه قال: (جاء جِبْريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال: خيِّرْ أصْحَابَكَ في الأسارى، إن شاءوا القتل، وإن شاءوا الفداء، على أن يقتل مِنْهُمْ عاماً مقبلاً مِثْلُهمْ، قالوا: الفِدَاء ويُقْتَلُ مِنَّا.) . والله تعالى أعلم.

الإشارة: إذا أصاب المريد شيء من المصائب والبلايا، فلا يستغرب وقوع ذلك به، ولا يتبرم منه، فإنه في دار المصائب والفجائع، «لا تستغرب وقوع الأكدار ما دُمتَ في هذه الدار، فإنما أبرزت ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها» . وإذا كان أصابته مصيبة في وقت، فقد أصابته نعمٌ جمة في أوقات عديدة، فليشكر الله على ما أولاه، وليصبر على ما ابتلاه، ليكون صباراً شكوراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>