للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخضر عليه السلام. قال الورتجبي: إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو وليا ألبسه صفاته بتدريج الحال ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته: كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه اسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.

وقوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ: أي: بالعلم بالله كالكشف عن أسرار ذاته وأنوار صفاته، والتخلق بمعاني أسمائه، والتحقق بمقامات اليقين، ومنازل السائرين. وهذه درجات المقربين، وليس فوقها إلا درجة الأنبياء والمرسلين. أو بالعلم بأحكام الله وشرائعه كالعلم بأحكام العبادات والعادات، وسائر المعاملات. وهذه درجات عامة أهل اليمين من العلماء الأتقياء والصالحين، ومنتهى درجاتهم هي ابتداء درجات العارفين المقربين، ثم الأنبياء والمرسلين. وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، ومنتهى العلم إلى الله العظيم.

ثم ذكر جوابهم، فقال:

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧٧ الى ٧٩]

قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩)

قلت: معنى الشرط والجواب: إن ثبت أن بنيامين يسرق فقد سرق أخ له، أي: سرقته كسرقة اخيه، و (مكاناً) :

تمييز.

يقول الحق جلّ جلاله: قال إخوة يوسف، لما ظهرت السرقة عليهم: إِنْ يَسْرِقْ بنيامين فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ أخوه يوسف مِنْ قَبْلُ، فهذا الأمر إنما صدر من ابْنَي راحيل، لا منا، قصدوا بذلك رفع المضرة عن أنفسهم، ورموا بها يوسف وشقيقه، وهذه السرقة التي رموه بها قيل: كانت ورثت عمته من أبيها منطقة، وكانت تخصُّ يوسف وتحبه، فلما شب، أراد يعقوب انتزاعه منها، فشدت المنطقة على وسطه، ثم اظهرت ضياعَها، ففتَّش عليها، فوجدت مشدودة على وسطه، فصارت أحق به في حكمهم، وقيل: كان لجده من أمه صنم من ذهب، فسرقه وكسره، وألقاه في الجيف. وقيل: كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل «١» .


(١) لم يرد نص ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلّم فى تعيين المراد بالسرقة التي وصفوه بها، فالله أعلم بالذي كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>