الدجال، وتقع في الأرض الأمنة، حتى ترتع الأسد مع الإبل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الغلمان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة، ثم يتزوج ويولد له ثم يتوفى، ويصلي المسلمون عليه» . ويدفنونه في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
الإشارة: اعلم أن الحق- جلّ جلاله- أظهر هذا الآدمي في شكل غريب، وسر عجيب، جمع فيه بين الضدين، وأودع فيه سر الكونين، نوراني ظلماني، روحاني جسماني، سماوي أرضي، ملكوتي ملكي، معنوي حسيّ، أودع فيه الروح نورانية لاهوتية في نطفة ناسوتية، فوقع التنازع بين الضدين، فالروح تحن إلى وطنها اللاهوتي، والنطفة الطينية تحن إلى وطنها الناسوتي، فمن غلبت روحانية على طينته التحق بالروحانيين، وكان من المقربين في أعلى عليين، فصارت همته منصرفة إلى طاعة مولاه، والارتقاء إلى مشاهدة نوره وسناه، فانياً عن حظوظه وهواه، ومَن غلبت طينتُه على روحانيته التحق بالبهائم أو الشياطين، وانحط إلى أسفل سافلين، وكانت همته منصرفة إلى حظوظة وهواه، غائباً عن ذكر مولاه، قد اتخذ إلهه هواه.
وتأمل قضية السيد عيسى عليه السلام لمَّا لم ينشأ من نطفة أمشاجية، كيف غلبت روحانيته، حيث لم تجد ما يجذبها إلى الحضيض الطيني، فلم يلتفت إلى هذا العالم الظلماني أصلاً، وكذلك الأنبياء حيث طهروا من بقاياها في الأصالة، والأولياء حيث طهروها بالمجاهدة، كيف صارت أرواحهم لاتشتاق إلا إلى الأذكار والعلوم والأسرار، فانية في محبة الواحد القهار، حتى لحقت بوطنها، ورجعت إلى أصلها، محل المشاهدة والمكالمة والمناجاة والمساررة، هّذاَ هُوَ الحق مِنْ ربك فلا تكن من الممترين في إدراك الروح هذا المقام، إن لم يغلب عليها عالم الصلْصَال. والله- تعالى- أعلم.
ولما قامت الحجة على النصارى، وتبيّن عنادهم، دعاهم إلى المباهلة، فقال:
قلت: أصل (تعالوا) : تَعالَيُوا، على وزن تفاعلوا، من العلو، فقلبت الياء ألفاً لتحركها، ثم حذفت، ومن قرأ بالضم نقل، وأصل معناها: ارتفع، ثم أطلق على الأمر بالمجيء. والابتهال: التضرّع والمبالغة في الدعاء.
يقول الحق جلّ جلاله: فَمَنْ خاصمك يا محمد في شأن عيسى عليه السلام، وكان الذي خاصم في ذلك السيد والعاقب، لما قدموا مع انصارى نجران على النبي صلى الله عليه وسلم، قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم:«أسلما» ، قالا: قد أسلمنا قبلك، قال:«كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما عيسى لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير» ، قالا: إن