قلت:(كدأب) : خبر عن مضمر، أي: دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون، وهو عملهم وطريقتهم، التي دأبوا فيها، أي: داموا عليها، (ذلك) : مبتدأ، و (بأنَّ الله) : خبر، وقال سيبويه: خبر، أي: الأمر ذلك، والفاء سببية.
يقول الحق جلّ جلاله: عادة هؤلاء الكفرة العاصين المعاصرين لك، في استمرارهم على الكفر والمعاصي، كعادة آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ، ثم فسر دأبهم فقال: كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ الدالة على توحيده، المنزلة على رسله، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ كما أخذ هؤلاء، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ لا يغلبه في دفعه شيء.
ذلِكَ العذاب الذي حل بهم، بسبب ذنوبهم وكفرهم لأن اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ فيبدلها بالنقمة، حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ أي: حتى يبدلوا ما بأنفسهم، من حال الشكر إلى حال الكفر، أو من حال الطاعة إلى حال المعصية، كتغيير قريش حالهم: من صلة الرحم، والكف عن التعرض لإيذاء الرسول ومن تبعه، بمعاداة الرسول، والسعي في إراقة دم من تبعه، والتكذيب بالآيات والاستهزاء بها، إلى غير ذلك مما أحدثوه بعد البعثة، وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقولون، عَلِيمٌ بما يفعلون.
دأبهم في ذلك التغيير كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ لمّا بدلوا وغيَّروا، ولم يشكروا ما بأيديهم من النعم، وَكُلٌّ من الفرق المكذبة كانُوا ظالِمِينَ فأغرقنا آل فرعون، وقتلنا صناديد قريش بظلمهم، وما كنا ظالمين.
الإشارة: إذا أنعم الله على قوم بنعم ظاهرة أو باطنة، ثم لم يشكروا الله عليها، بل قابلوها بالكفران، وبارزوا المنعم بالذنوب والعصيان، فاعلم أن الله تعالى أراد أن يسلبهم تلك النعم، ويبدلها بأضدادها من النقم، فمن شكر النعم فقد قيّدها بعقالها، ومن لم يشكرها فقد تعرض لزوالها. فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود، فمن أعطي ولم