وجحدها لبيان كمال تنزهه تعالى عنه. وعبّر عن العمل بالسعي لإظهار الاعتداد به، وَإِنَّا لَهُ أي: لسعيه كاتِبُونَ مُثبتون في صحائف أعمالهم، نأمر الحفظة بذلك، لا نغادر من ذلك شيئاً. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الصوفية- رضى الله عنهم-، في حال سيرهم إلى الحضرة وسلوكهم في طريق التربية، مختلفون بحسب الأزمنة والأمكنة والأشخاص. وفي حال نهايتهم- وهو الوصول إلى حضرة الشهود والعيان، وإشراق شمس العرفان، الذي هو مقام الإحسان، ويُعبِّرون عنه بالفناء والبقاء، وهو التوحيد الخاص- متفقون، وفي ذلك يقول القائل:
عباراتنا شَتَّى، وحُسْنُكَ واحِدٌ ... وكُلٍّ إلى ذاك الجَمَالِ يُشير
لأن ما كان ذوقًا ووجدًا لا يختلف، بل يجده كل من له ذوق سليم. نعم تتفاوت أذواقهم على حسب مشاربهم، ومشاربُهم على حسب إعطائهم نفوسَهم وبيعها لله، وتتفاوت أيضًا بحسب التخلية والتفرغ، وبحسب الجد والاجتهاد، وكلهم على بصيرة من الله وبينة من ربهم. نفعنا الله بذكرهم، وخرطنا في سلكهم، آمين.
قلت:«حرام» : مبتدأ، وفيه لغتان: حرام وحِرْم، كحلال وحِلّ. و «أنهم..» الخ: خبر، أو فاعل سد مسده، على مذهب الكوفيين والأخفش. والجملة: تقرير لقوله: (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) ، و «لا» نافية، أي: ممتنع على قرية أهلكناها عدمُ رجوعهم إلينا بالبعث، بل كل إلينا راجعون. وقيل:«لا» زائدة، والتقدير: ممتنع رجوع قرية أردنا إهلاكها عن غيهم، «فإنهم» : على هذا: فاعل بحرام. قاله القصار. و «حتى» : ابتدائية، غاية لما يدل عليه ما قبلها، أي: يستمرون على ما هم عليه من الهلاك، حتى إذا قامت القيامة يرجعون إلينا، ويقولون: يا ويلنا. وقال أبو البقاء:«حتى» :
متعلقة في المعنى بحرام، أي: يستقر الامتناع، أي: هذا الوقت. و «فإذا هي» : جواب «إذا» . وفي الأزهري: وقد يجمع بين الفاء وإذا الفجائية تأكيدًا، خلافًا لمن منع ذلك. قال تعالى:(فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) ، فإنه لو قيل: إذا هي، أو فهي شاخصة لصح. هـ. وقيل:«يا ويلنا» : على حذف القول، أي: إذا فتحت قالوا: يا ويلهم. و «اقترب» : عطف على «فُتحت» .