وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ بالتحريف والتغيير في الكتابة والشهادة، على البناء للفاعل، أو: ولا يضارا بأن يُعْجلا عن مهم، أو يكلفا الأداء من شقة بعيدة، أو يمنع من أجرته، وَإِنْ تَفْعَلُوا ذلك الضرار وما نهيتهم عنه فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ أي: خروج بكم عن حد الاستقامة، وَاتَّقُوا اللَّهَ في مخالفة أمره ونهيه، وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ العلوم اللدنية وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يخفى عليه من اتقى الله ممن عصاه. وكرر لفظ الجلالة في الجمل الثلاث، لاستقلالها، فإن الأُولى حثٌّ على التقوى والثانية وعدٌ بتعليم العلم، والثالثة تعظيم لشأنه، ولأنه أدخل في التعظيم من الكناية. قاله البيضاوي.
وأدخل الواو فى جواب الأمر ليقتضي أن تعليمه سبحانه لأهل التقوى ليس هو مسبباً عن التقوى، بل هو بمحض الفضل والكرم، والتقوى إنما هي طريق موصل لذلك الكرم، لا سبب فيه «جَلَّ حكم الأزل أن يضاف إلى العلل» . والله تعالى أعلم.
قلت:(فرهان) : خبر، أو مبتدأ، أي: فالمستوثق به رهان، أو فعليه رهان.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى جناح سَفَرٍ أي: مسافرين، وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً يكتب شهادة البيع أو الدين، فالمستوثق به عوضا من الإشهاد: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ. وليس السفر شرطاً فى صحة الارتهان، لأنه عليه الصلاة والسلام «رَهَنَ دِرْعَه عند يهودي بالمدينة في شَعِير» لكنّ لمّا كان السفر مَظنَّة إعواز الكتاب، ذكره الحق تعالى حكماً للغالب. والجمهور على اعتبار القبض فيه، فإن لم يقبض حتى حصل المانع، فلا يختص به في دينه، فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً واستغنى بأمانته عن الارتهان، لوثوقه بأمانته فداينه بلا رهن، فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ أي: دينه، وسماه أمانة لائتمانه عليه بلا ارتهان ولا إشهاد، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ في أداء دينه وعدم إنكاره.
وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ أيها الشهود، أو أهل الدين، أي: شهادتهم على أنفسهم، وَمَنْ يَكْتُمْها منكم بأن يمتنع من أداء ما تحمل من الشهادة، أو من أداء ما عليه من الدين، فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ حيث كتم ما علمه به، لأن الكتمان من عمل القلوب فتعلق الإثم به، ونظيره:«العين زانية وزناها النظر» ، أو أسنده إلى القلب، مبالغة لأنه رئيس الأعضاء، فإذا أثم قلبه فقد أثم كله، وكأنه قد تمكن الإثم منه فأخذ أشرف أجزائه، وفاق سائر ذنوبه، ثم هدد