للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروط بعدم العفو، لدلائل منفصلة اقتضت ذلك كما هو مشروط بعدم التوبة أيضًا، والحاصل: أن الوعد لا يخلف لأنه من باب الامتنان، والوعيد يصح إخلافه بالعفو والغفران، كما في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«مَن وَعَدَه الله- عز وجل- على عملٍ ثوابًا فهو منجزه له لا محالة، ومَن أوعَدَه على عمل عقابًا فهو بالخيار، إن شاءَ عَفَا عنه، وإن شاء عَاقَبه» . هـ. ذكره في القوت.

فَتَحَصَّل أن القاتل لا يُخلَّد على المشهور إلاَّ إذا كان مستحلاً، وهذا أيضًا ما لم يقتص منه، وأما إذا اقتُص منه فالصحيح أنه يسقط عنه العقاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أصَابَ ذَنبًا فعُوقِبَ به في الدنيا فهو له كَفَّارَةٌ» . وبه قال الجمهور، وكذلك إذا سَامَحَهُ ورثةُ الدم لأنه حق ورثوه. والله تعالى أعلم.

الإشارة: الإيمان محلة القلوب، فالقلب هو المتصف بالإيمان حقيقة. فالمؤمن الحقيقي هو القلب، فمن قتله بتتبع الشهوات، وتراكم الغفلات، فجزاؤه نار القطيعة في سجن الأكوان، والبعد عن عرفان الشهود والعيان، وفي الحِكَم: «سبب العذاب وجود الحجاب، وإتمام النعيم بالنظر إلى وجهة الكريم» . والله تعالى أعلم.

ثم إن اللسان ترجمان القلب، فمن أظهر الإيمان حرم التعرض له، كما أشار إلى ذلك الحقّ جلّ جلاله بقوله:

[[سورة النساء (٤) : آية ٩٤]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)

قلت: (السَّلم) بالقصر: الانقياد والاستسلام، وبالمد: التحية. وجملة (تبتغون) : حال من الواو، مشعرة بما هو الحامل على العجلة.

يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ أي: سافرتم وسرتم تجاهدون فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَتَبَيَّنُوا الأمور وتثبتوا فيها ولا تعجلوا، فإن العجلة من الشيطان، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ أي: الانقياد والاستسلام، أو سلَّم عليكم تحية الإسلام، لَسْتَ مُؤْمِناً إنما فعلت ذلك متعوذًا خائفًا، فتقتلونه طمعًا في ماله، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وحطامها الفاني، فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ وَعَدَكُم بها، لم تقدروا الآن عليها، فاصبروا وازهدوا فيما تَشُكُّون فيه حتى يأتيكم ما لا شبهة فيه، كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>