يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي: بيَّنا لهم فيه من كل مثل، ينبؤهم عن التوحيد والمعاد، وصدق الرسل، وغير ذلك، مما يحتاجون إلى بيانه، وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ من الآيات الدالة على صدقك، أو: القرآن. لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ مزورون. وإسناد الإبطال إلى الجميع، مع أن المجيء بالحق واحد مراعاة لمن شايعه معه من المؤمنين، أو: ولقد وصفنا كلّ صفة، كأنها مثل في غرابتها، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن، كقصة المبعوثين يوم القيامة، وما يقولون، وما يُقال لهم، وما لا ينفع من اعتذارهم، ولا يُسمع من استعتابهم، ولكنهم لقسوة قلوبهم، إذا جِئْتَهُمْ بآية من آيات القرآن، قالوا: جئتنا بزور باطل. كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، أي: مثل ذلك الطبع- وهو الختم- يطبعُ الله على قلوب الجهلة الذين عِلَمَ اللهُ منهم اختيارَ الضلال، حتى سمّوا المحققين مبطلين، وهم أغرقُ خلق الله في تلك الصفة.
فَاصْبِرْ على أذاهم وعداوتهم، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بنصرتك، وإظهار دين الإسلام على كل دى، ن حَقٌّ لا بد من إنجازه والوفاء به، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ لا يحملَنَّك هؤلاء الذين لا يوقنون بالآخرة على الخفّة والعجلة في الرد عليهم، أو: لا يحملنَّك على الخفة والقلق فزعاً مما يقولون فإنهم ضُلاَّل، شاكّون، لا يستغرب منهم ذلك. وقرأ يعقوب: بسكون النون على أنه نون التوكيد الخفيفة.
الإشارة: قد بيَّن الله في القرآن ما يحتاج السائرون إليه، من علم الشريعة والطريقة والحقيقة، لمن خاض بحر معانيه وأسراره. ولئن جئتهم بآية، من غوامض أسراره ليقول أهل الجمود: هذا إلْحَاد وباطل. فاصبر إن وعد الله بالنصر لأوليائه حق، ولا يحملنك على العجلة من لا يقين عنده. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلم.