للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإقبال عليه، أو: بالاستتار والتجلي، أو: بالقبض والبسط، أو: بالمجاهدة والمشاهدة، إلى غير ذلك. وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ تُردون للحساب والعقاب.

وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي: بفائتين ربكم إن هربتم من حكمه وقضائه، فِي الْأَرْضِ الفسيحة، وَلا فِي السَّماءِ التي هي أفسح منها وأبسط، لو كنتم فيها. وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يتولى أموركم، وَلا نَصِيرٍ ولا ناصر يمنعكم من عذابه. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ بدلائله على وحدانيته، أو كتبه، أو معجزاته، وَلِقائِهِ وكفروا بلقائه، أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي جنتي، وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ موجع. وبالله التوفيق.

الإشارة: أوَ لَم ير أهل فكرة الاستبصار كيف يظهر الحقُّ تجلياته من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ثم يبطنها، فيردها لأصلها من اللطافة، ثم ينشئها النشأة الثانية، تكون معانيها أظهر من حسها، وقدرتُها أظهر من حكمتها، فليس عند أهل التوحيد الخاص شيء يفنى، وإنما يُبطن ما ظهر، ويُظهر ما بطن، ولا زائد على أسرار الذات وأنوار الصفات. وهذا أمر لا يدركه إلا أفراد الرجال بصحبة أكابر الرجال، وهو لُب العلم، وخالصة طريقة ذكر الله، والتفرغ عن كل ما يشغل عن الله، بعد قتل النفوس وحط الرؤوس وبذل الفلوس.

وبالله التوفيق.

ثم ذكر جواب قوم إبراهيم، فقال:

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]

فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٤) وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥)

قلت: مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ: مَنْ نَصَبَها: فله وجهان أحدهما: على التعليل، أي: لتوادوا بينكم، والمفعول الثاني محذوف، أي: اتخذتم أوثاناً آلهة. والثاني: على المفعول الثاني لاتخذتم، كقوله: اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ «١» . و (ما) :

كافة، أي: اتخذتم الأوثان سبب المودة، على حذف مضاف، أو: اتخذتموها مَوْدُودَةً بينكم. و (بينكم) : نصب على


(١) من الآية ٤٣ من سورة الفرقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>