من يشاء من عباده، فباءوا بغضب الحجاب على غضب البعد والارتياب، أو بغضب سقم القلوب على غضب الإصرار على المساوئ والعيوب. (من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مُصرًا على الكبائر وهو لا يشعر) كما قال الشاذلي رضي الله عنه، ولا يصح التغلغل فيه إلا بصحبة أهله. وللكافرين بالخصوصية عذاب الطمع وسجن الأكوان، وهما شجرة الذل والهوان.
وإذا قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله من أسرار الحقيقة وأنوار الطريقة، قالوا: نؤمن بما أنزل علينا من ظواهر الشريعة، ويكفرون بما وراءه من أسرار الحقيقة، ككشف أسرار الذات وأنوار الصفات، وهو- أي: علم الحقيقة- الحق لأنه خالص لب الشريعة، ولله در صاحب المباحث الأصلية حيث قال:
هل ظاهِرُ الشرع وعلمُ الباطِنْ ... إلا كجِسمٍ فيه رُوحٌ سَاكِنْ؟
وقال أيضاً:
ما مَثلُ المعقولِ والمنقولِ ... إلا كَدُرِّ زاخرٍ مَجْهُولِ
حتى إذا أخْرَجَهُ الغِوَّاصُ ... لم يكُ لِلدُرِّ إذن خلاص
وإنما خَلاصُهُ في الكَشْفِ ... عن الغِطَاءِ حيثُ لا يسْتَخْفِي
فَالصّدَفُ الظاهرُ ثم الدرُّ ... مَعْقولُه والجهلُ ذاك البحْرُ
وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول:(هل ثَمَّ شيءٌ غيرُ ما فهمناه من الكتاب والسنة؟) ، كان يقول ذلك إذا قيل له: إن الشيخ الشاذلي فاض اليوم بعلوم وأسرار، فلما التقى بالشيخ وأخذ بيده، قال:(أي والله.. ما قعد على قواعد الشريعة التي لا تنهدم إلا الصوفية) . ويقال لمن ادعى التمسك بالشريعة وأنكر ما وراءها: فلم تشتغل بجمع الدنيا واحتكارها وتخاف من الفقر، وتهتم بأمر الرزق وتجزع من المصائب، والشريعة تنادي عليك بذم ذلك كله إن كنت مؤمناً؟!! وبالله التوفيق.
ثم نعى عليهم عبادة العجل بعد ما رأوا من الآيات البينات، إبطالا لدعواهم الإيمان بالتوراة، فقال: