للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال في الحاشية: واعتبر قوله: فَسَأَكْتُبُها، فإنه يقتضي كون الرحمة السابقة مطلقة، والتغيير طارئ، والطارئ لا ينافي الذات. هـ. قلت: فتكون على هذا الرحمة التي وَسِعْتَ كلَّ شيء رحمةً عامة، إذ لا يخلو مخلوق من رحمته في الدنيا والآخرة، إما في الدنيا فالخلق كلهم مرحومون إيجادًا وإمدادًا، وأما في الآخرة فما من عذاب إلا والله أشد منه في قدرته، والرحمة التي كتبت للمتقين رحمة خاصة، ويدل على هذا ما في القوت «١» على قوله: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، قال: معناه خصوص الرحمة وصفوها لا كلها، إذا لا نهاية للرحمة، لأنها صفة الراحم الذي لا حد له، ولأنه لم يخرج من رحمته شيء، كما لم يخرج من حكمته وقدرته شيء. هـ.

وقال السيوطي: فسأكتبها في الآخرة، ووجه تخصيصها في الآخرة بالمؤمنين: تمحضها هنالك من غير شوب بضد، ولا كذلك في الدنيا، وإن كانت غالبة، والكافر عمته في الدنيا عمومًا ظاهرًا، وسلب منها في الآخرة بحسب الظاهر، وإن لم يخل عنها في الجملة، لأن غضبه تعالى لا حدّ له لولا رحمته.

وحاصله: أنه لم تفي جهنم بغضبه، لأنه لا يفي المتناهي بغير المتناهي ورحمته عمت الكافر في الدنيا لإمهاله وبسط نعمه عليه، وفي الإمهال فسحة في الحال وأمل الإقلاع في المآل، وقد يتفق كثيرًا، أي: الإقلاع، فلا يتعين أن يكون الإمهال استدراجًا، على أنه إنما يتجلى تجليًا أوليًا ذاتيًا برحمة مطلقة من غير تفصيل، إذ لا تعدد في الذات، وإنما يظهر التفصيل بالصفات، وإن كان يسري إليها من الذات، ولكن الرحمة تظهر أولاً من الذات، مع قطع النظر عن الصفات لظهورها، ولا تظهر النقمة إلا من الصفات، وهي خفية في تجلي الذات المطلق، ولذلك قال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وعلق العذاب على المشيئة، فخص به دونها. هـ. من الحاشية مع زيادة بيان.

ثم أمره بالدعاء إلى الإيمان، فقال:

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٨]]

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الأحمر والأسود، والعرب والعجم، والإنس والجن، خص بهذه الدعوة العامة، وإنما بعثت الرسل إلى قومها خاصة. فادع الناس أيها الرسول إلى الله تعالى، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يتصرف فيهما كيفما شاء، لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ لأن من ملك العالم كان هو الإله لا غير، يُحيِي وَيُمِيتُ لعموم قدرته ونفوذ أمره،


(١) أي قوت القلوب لأبى طالب المكي.

<<  <  ج: ص:  >  >>