الإشارة: المستحق للحمد هو الذي بيده ما في سماوات الأرواح من الكشوفات وأنواع الترقيات، إلى ما لا نهاية له، من عظمة الذات، وبيده ما في أرض النفوس من القيام بالطاعات وآداب العبودية وتحسين الحالات، وما يلحق ذلك من المجاهدات والمكابدات، وبيده ما يتحفهم به في الآخرة، من التعريفات الجمالية، والفتوحات الربانية، والترقي في الكشوفات السرمدية. فله الحمد في هذه العوالم الثلاثة إذ كلها بيده، يخص بها مَن يشاء من عباده، مع غناه عن الكل، وإحاطته بالكل، ورحمته للكل، يعلم ما يلج في أرض النفوس من الهواجس والخواطر، وما يخرج منها من الصغائر والكبائر، أو من الطاعة والإحسان من ذوي البصائر، وما ينزل من سماء الملكوت من العلوم والأسرار، وما يعرج فيها من الطاعات والأذكار، وهو الرحيم بالتقريب والإقبال، الغفور لمساوئ الضمائر والأفعال.
ثم ردّ على مَن أنكر الآخرة، التي تقدم ذكرها، فقال:
قلت:(ولا أصغر) و (لا أكبر) : عطف على (مِثْقال) ، أو: مبتدأ، وخبره: ما بعد الاستثناء. و (ليجزي) : متعلق بقوله: (لَتَأتينكم) ، وتجويز ابن جزي تعلقه بيعزب بعيد لأن الإحاطة بعلمه تعالى ذاتية، والذاتي لا يُعلل، وإنما تعلل الأفعال لجوازها، ويصح تعلقه بما تعلق به (في كتاب) أي: أحصى في كتاب مبين للجزاء.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: منكر والبعث. والناطق بهذه المقالة أبو سفيان بن حرب، ووافق عليها غيره، وقد أسلم هو. قالوا: لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ، وإنما هي أرحام تدفع، وأرض تبلع. قبَّح الله رأيهم، وأخلى الأرض منهم. قُلْ لهم: بَلى، أبطل مقالتهم الفاسدة ببلى، التي للإضراب، وأوجب ما بعدها، أي: ليس الأمر إلا إتيانها، ثم أعيد إيجابه، مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد، وهو التوكيد باليمين بالله عزّ وجل، فقال: وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ.