ومعنى إحيائها حسًّا: إنقاذها من الهلاك الحسّي، ومعنى إحيائها معنّى: إنقاذها من الهلاك المعنوي كالجهل والغفلة، حتى تحيا بالعلم والإيمان واليقظة، ومعنى قتلها حسًا: إهلاكها، ومعنى قتلها معنًى: إيقاعها في المعاصي والكفر وحملها على ذلك، وكذلك إهانتها وذلها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام-: «لَعنُ المُؤمن كَقَتَلهِ» . فأمر من قتله خطًأ أن يحيى نفسا أخرى فى مقابلتها بإخراجها من موت إهانة الرق، فإن لم يقدر، فليحى نفسه بقتل صولتها بالجوع حتى تنكسر، فتحيا بالتوبة واليقظة، ويُجبر كسر أهل المقتول بالدية المسلّمة.
هذا كله فى تفريطه وقلة حزمه حتى قتل خطأ، وأما إن قتله عمدا، فأشار إليه الحقّ جلّ جلاله بقوله:
يقول الحق جلّ جلاله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً مستحلاً لقتله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ أي: طرده وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً، وقولُنا: مستحلاً لقتله، هو أحد الأجوبة عن شبهة المعتزلة القائلين بتخليد عصاة المؤمنين في النار. ومن جُملتهم: قاتل النفس.
ومذهب أهل السنة: أنه لا يخلد إلا الكافر، ويؤيد هذا الجواب سبب نزول الآية، لأنها نزلت في كافر، وهو (مَقِيس بن ضُبَابة الكناني) وَجَدَ أخَاه هشامًا قَتَيلاً في بني النجار- وكان مُسلمًا- فذكر ذلك للنبى صلّى الله عليه وسلم فأرسَل مَعهُ رجلاً من بني فهرِ، وقال له:«ائت بني النّجار، وقُل لهم: إن عَلمتُم قاتِل هِشَامٍ فادفَعُوهُ لمقيس يَقتَصُّ مِنه، وإن لِمَ تَعلمُوا فادفَعُوا إليه الدَّيةَ» . فقالوا: سمعًا وطاعة، لم نَعلَم قاتِله، فجمعوا مائة من الإبل، فأخذها، ثم انصرفا راجعَين إلى المدينة، فوسوس إليه الشيطان، وقال: أيَّ شيء صَنَعتَ؟ تَقبلُ ديةَ أخيكَ فتكونُ عليك سُبَّة، اقتل الرجلَ الذِي مَعكَ فتكُونَ نفسٌ مكانَ نَفسٍ وفَضلُ الدِّيَة، فَقَتَلَه وأخذ الدِّية، فنزلت فيه الآية.
أو يكون الخلود عبارة عن طول المكث، والجمهور على قبول توبته، خلافًا لابن عباس، ونُقِل عنه أيضًا قبولها، ولعله تعالى استغنى عن ذكر التوبة هنا اكتفاء بذكرها في الفرقان، حيث قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ثم قال: إِلَّا مَنْ تابَ. وأما من قال: إن تلك منسوخة بهذه فليس بصحيح لأن النسخ لا يكون في الأخبار. أو فجزاؤه إن جُوزِي، ولا بِدع في خلف الوعيد لقوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ لأن الوعيد