يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أي: جمعوا بين التوحيد، الذي هو خاصة العلم، والاستقامة في الظاهر، التي هي منتهى العمل، فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من لحوق مكروه، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على فوات مرغوب، و «ثم» للدلالة على تراخي رتبة العمل، وتوقف الاعتداد به على التوحيد. ودخلت الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط، والتعبير بالمضارع للدلالة على دوام نفي الحزن عنهم، أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر من الاسمين الجليلين، أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها: حال من أصحاب الجنة، والعامل:
معنى الإشارة، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ من الأعمال الصالحة، و «جزاء» مصدر لمحذوف، أي: جوّزوا جزاء، أو بمعنى ما تقدم، فإن قوله: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ في معنى: جزيناهم.
الإشارة: مضى تفسير الاستقامة، وأنَّ مَن درج على الإيمان والاستقامة حظي بكل كرامة، ووصل إلى جزيل السلامة، وقيل: السين في الاستقامة سين الطلب، وأنَّ المستقيم يتوسل إلى الله- تعالى- في أن يقيمه على الحق، ويثبته على الصدق. هـ.
قال الورتجبي: ما قال القوم هذا القول- أي:«ربنا الله» - حتى شاهدوه بقلوبهم، وعقولهم، وأرواحهم، وأسرارهم، مشاهدة الحق سبحانه، فإذا رأوه يقولون: هذا الهلال، وصاحوا، وضحكوا، فهذا القول منهم بعد كشف مشاهدة الحق لهم، فلما رأوه أحبوه وعرفوه، وشربوا من بحار وصالة، حتى تمكنوا، فاستقاموا بقوتها في موازاة رؤية أنوار الأزل والآباد، واستقاموا في مراد الله منهم، وأداء حقوق عبوديته، فلا يبقى عليهم خوف الحجاب، ولا حزن العتاب، قال الله تعالى: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. هـ.