للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة نوح]

يقول الحق جلّ جلاله: {إِنَّا أرسلنا نوحاً} وهو أول أُلي العزم. قيل: معناه بالسريانية: الساكن، وقيل: سمي له لكثرة نوحه شوقاً إلى ربه، {أنْ أَنْذِر قَوْمَكَ} أي: بأن أنذر، فحذف الجار وأوصل الفعل، ومحله عند الخليل: الجر: وعند غيره: نصب، أو: " أنْ " مفسرة؛ لأنَّ الإرسال فيه معنى القول، فلا يكون للجملة محل، وقُرىء: " أنذر " بغير " أنْ "، أي: خوّف قومك {مِن قبل أن يأتيهم عذابٌ أليم} ؛ عذاب الآخرة، أو الطوفان، لئلا يبقى لهم عذر أصلاً.

{قال يا قوم} ، أضافهم إلى نفسه إظهاراً للشفقة {إِني لكم نذير مبينٌ} ؛ مُنذِر موضّح لحقيقة الأمر، أُبين لكم رسالة ربي بِلُغةٍ تعرفونها، {أنِ اعبدُوا اللهَ} أي: وحّدوه، و " أنْ " هذه نحو " أن أنذر " على الوجهين، {واتقوه} ؛ واحذروا عصيانه، {وأطيعونِ} فيما آمركم به وأنهاكم عنه، وإنما أضافه إلى نفسه؛ لأنَّ الطاعة تكون لغير الله بخلاف العبادة، وطاعته هي طاعة الله.

{يغفرْ لكم من ذنوبكم} أي: بعض ذنوبكم، وهو ما سلف في الجاهلية، فإنَّ الإسلام يَجُبُّه، إلاّ حقوق العباد؛ فإنه يؤديها، وقيل: " مَن " لبيان الجنس، كقوله: {فَاجْتَنِبُواْ الرِجْسَ مَنَ الأَوْثَآنِ} [الحج: ٣٠] . قال ابن عطية: وكونها للتبعيض أبين؛ لكونه لو قال: يغفر لكم ذنوبكم؛ لعَمّ هذا اللفظ ما تقدّم به من الذنوب وما تأخر عن إيمانهم، والإسلام إنما يَجُب ما قبله. هـ. قال القشيري: ولأنه لو أخبرهم بغفران ما تقدّم وما تأخّر لكان إغراءً لهم، وذلك لا يجوز. هـ. {ويُؤخِّرْكُم إِلى أَجَلٍ مُسَمَّى} وهو وقت

<<  <  ج: ص:  >  >>