وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ أي: هم أصحاب العقول الصافية، السليمة من معارضة الوهم ومنازعة الهوى، المستحقون للهداية، لا غيرهم.
وفيه دليل على أنَّ الهداية تحصل بفضل الله تعالى، لقوله: هَداهُمُ اللَّهُ، وقبول النفس لها لقوله: هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ الإشارة: مذهب الصوفية: الأخذ بالعزائم، والأرجح من كل شيء، عقداً، وقولاً، وعملاً، فأخذوا من العقائد مقام العيان، ولم يقنعوا بالدليل والبرهان، وأخذوا من الأقوال ألينها وأطيبها، ويجمع ذلك: حسن الخلق مع كل مخلوق، فآثروا العفو على القصاص، والصفح على العتاب، وغير ذلك من عزائم الشريعة على رخصها، ومن الأذكار: أرجحها وأجمعها، وهو الاسم المفرد، الذي هو سلطان الأسماء، ومن الأعمال: أعظمها وأرجحها، وهو عمل القلوب، الذي هو الذرة منه تعدل أمثال الجبال من أعمال الجوارح، كعبادة الفكرة والنظرة، وفي الحديث:
«تفكُّر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة»«١» ، فأوقاتهم كلها ليلة القدر، وكالتخلُّق بمكارم الأخلاق، كالرضا، والتسليم، والحلم، والسخاء، والكرم، وغير ذلك من محاسن الخِلل، الذي هو من عمل القلوب، فهم الذين تحققت فيهم البشارة بقوله: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
وقال الورتجبي- بعد كلام: ويَتبع الكلام الأزلي- الذي هو الخطاب- بالفهم العجيب، والعلم الغريب، والإدراك الصافي، وانفراد الحق عن المخلوق، في المحبة، والشوق، والمعرفة، والتوحيد، والإخلاص، والعبودية، والربوبية، والحرية، فهذا أفضل وِرد بالبديهة، من حيث ظهور الأنباء العجيبة، والروح القدسية، والإلهامات الربانية.. انظر بقية كلامه. وقال القشيري: الاستماع يكون لكل شيء، والاتباع يكون للأحسن. ثم قال: مَن عرف الله لا يسمع إلا بالله. هـ. أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ إلى صريح معرفته العيانية. وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ، ولب الشيء: قلبه وخالصه، فقلوبهم خالصة لمولاهم، وأرواحهم متنعمة بشهود حبيبها، وأسرارهم متنزهة في رياض ملكوت سيدها. وبالله التوفيق.
(١) أخرجه أبو الشيخ فى كتاب العظمة (١/ ٣٠٠، ح ٤٣) عن أبى هريرة بلفظ: «فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة» وأخرجه الديلمي فى الفردوس (٢/ ٧٠ ح ٢٣٩٧) من حديث أنس بلفظ «ثمانين سنة» وانظر الموضوعات لابن الجوزي (٣/ ١٤٤) . [.....]