للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ من قومه سَبْعِينَ رَجُلًا يعتذرون عن قومهم في عبادة العجل، لِمِيقاتِنا الذي وقتنا لهم يأتون إليه، وقيل: إن الله تعالى أمره به بأن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل، فاختار من كل سبط ستةً، فزاد على السبعين اثنان، فقال: يتخلف منكم رجلان، فتشاجروا، فقال: إن لِمن قعد أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع، وذهب معه الباقون، فلما دنوا من الجبل غشية غمام، فدخل موسى بهم الغمام وخروا سُجدًا، فسمعوه يكلم موسى، يأمره وينهاه، ثم انكشف الغمام، فأقبلوا إليه، وَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً «١» ، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ أي: الصعقة، أو رجفة الجبل، عقابًا لهم على قولهم، فصعقوا منها، يحتمل أن تكون رجفة موت أو إغماء. والأول أظهر لقوله: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ «٢» .

فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ موسى: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، تمنى هلاكهم وهلاكه قبل ذلك الوقت، لأنه خاف من تشغيب بني إسرائيل عليه، إن رجع إليهم دون هؤلاء السبعين، ربما قالوا: عرّضهم للهلاك، أو يكون قال ذلك على وجه الاستسلام والانقياد للقضاء، أي: لو شئت أن تُهلكنا من قبل ذلك لفعلت، فإنا عبيدك وتحت قهرك تفعل بنا ما تشاء، أو يكون قاله على وجه التضرع والرغبة، أي: لو شئت أن تهلكنا قبل اليوم لفعلت، لكنك عافيتنا وأنقذتنا وأغرقت عدونا، فافعل بنا الآن كما عودتنا، وأحى هؤلاء الذين أمتهم، إذ ليس ببعيد من عميم إحسانك، أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا من العناد والتجاسر على طلب الرؤية، أو بما فعل السفهاء من عبادة العجل.

إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي: ابتلاؤك حين أسمعتهم كلامك، حتى طمعوا في الرؤية، أو فتنتك لهم بأن أجريت الصوت من العجل حتى افتتنوا به، وهذا اعتراف بالقدر، ورجوع إلى قوله: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ... «٣» الآية، ولذلك قيل: إنه قال له تعالى: نعم هي فتنتي يا حكيم الحكماء. هـ. أي: ما هذه الأمور كلها التي صدرت من بني إسرائيل إلا فتنتك تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ ضلالته، باتباع المخايل، وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ هدايته، فيقوي بها إيمانه، وهو اعتذار عن فعل السفهاء فإنه كان بقضاء الله ومشيئته.

أَنْتَ وَلِيُّنا القائم بأمرنا، أو ناصرنا من الوقوع في أسباب المهالك، فَاغْفِرْ لَنا ما قارفنا من الذنوب، وَارْحَمْنا أي: اعصمنا من الوقوع في مثله، وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة،

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٧]

وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)

وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً أي: حالة حسنة من حسن معيشة وتوفيق طاعة، وَفِي الْآخِرَةِ حسنة نعيم الجنة، إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أي: تبنا إليك، من هادَ يهود: إذا رجع، أي: رجعنا إليك بالتوبة مما سلف منا.


(١) من الآية ٥٥ من سورة البقرة.
(٢) من الآية ٥٦ من سورة البقرة.
(٣) الآية ٨٥ من سورة طه.

<<  <  ج: ص:  >  >>