قلت:(من) : شرطية، و (يرتدد)«١» : فعل الشرط، فمن قرأه بالتفكيك فعلى الأصل، ومن قرأه بالإدغام ففتحه تخفيفًا. وجملة (فسوف يأتي) : جواب، والعائد من الجملة محذوف، أي: فسوف يأتي الله بقوم مكانهم.. الخ.
و (أذلة) : نعت ثان لقوم، جمع ذليل، وأتى به مع علي لتضمنه معنى العطف والحنو، و (لا يخافون) : عطف على يجاهدون، وجملة:(وهم راكعون) : حال، إن نزلت في علىّ رضى الله عنه، أو عطف إن كانت عامة.
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ويرجع عنه بعد الدخول فيه، فسيأتي الله بقوم مكانهم يُحِبُّهُمْ فيثبتهم على دينهم، وَيُحِبُّونَهُ فيجاهدون من رجع عن دينه، وهم أهل اليمن، والأظهر أنهم أبو بكر الصدّيق وأصحابه، الذين قاتلوا أهل الردة، ويدل على ذلك الأوصاف التي وصفهم الله بها من الجد في قتالهم، والعزم عليه، التي كانت من أوصاف الصدّيق، وكذلك قوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ فقد كان أبو بكر ضعيفًا في نفسه، قويًا في ذات الله، لم يخف في الله لومة لأئم، حين لامه بعض الصحابة في قتالهم.
وفي الآية إخبار بالغيب قبل وقوعه، فقد ارتد من العرب في أواخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاث فرق: بنو مدلج، وكان رئيسهم الأسود العنسي، تنبأ باليمن، واستولى على بلادهم، ثم قتله فيروز الديلمي، ليلة قٌبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم من غدها، وأخبر بموته الرسول- عليه الصلاة والسّلام- فسُر المسلمون. وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب، تنبأ باليمامة، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم: من مسيلمةَ رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد: فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، فأجابه صلّى الله عليه وسلّم:«من مُحمَّدٍ رَسُول اللهِ إلى مسيلمةَ الكَذَّابِ، أمَّا بَعدُ: فَإنَّ الأرض للهِ يورثها من يشاء من عِبَادِهِ والعَاقِبَة للمتّقِين» ، فحاربه أبو بكر بجند المسلمين، وقتله وحشي قاتلُ حمزة، وبنو أسد قوم طليحة، تنبأ فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد فقاتله، فهرب إلى الشام، ثم أسلم وحسن إسلامه.
(١) قرأ نافع وابن عامر (يرتدد) بدالين، وقرأ الباقون (يرتد) بدال واحدة.