قلت: قوله: ولا يكون قلب ... الخ، حاصل كلامه: أن القلب من حيث هو لا بد أن يطرقه الخصم إن حاد عن الحق، وهو المراد بهواتف الغيب، لكنه أخفى من دبيب النمل في حق الغافلين. فإن كان القلب حيًّا متيقظًا تتبع ذلك الخصم حتى يزيله بظهور الحق، وإن كان ميتًا بغلبة الشهوات أخفاه حتى يموت، فيبدو له ما كان يخفيه من قبل. والله تعالى أعلم.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا أي: الكفار في إنكار البعث: إِنْ هِيَ أي: الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا لا حياة بعدها، وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، قال جلّ جلاله: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ، كناية عن حبسهم للسؤال والتوبيخ، أو: وقفوا على قضاء ربهم بين عباده، وعرفوه حق التعريف، قال لهم الحق جلّ جلاله: أَلَيْسَ هذا الذي كنتم تُنكرونه، بِالْحَقِّ. قالُوا بَلى وَرَبِّنا إنه لحق، ولكنا كنا قومًا ضالين، وهو إقرار مؤكد باليمين، لانجلاء الأمر غاية الجلاء، قال تعالى لهم: فَذُوقُوا أي: باشروا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي: بسبب كفركم.
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ، حيث فاتهم النعيم، واستوجبوا العذاب المقيم، والمراد بلقاء الله: البعث وما يتبعه. فاستمروا على التكذيب حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أي: فجأة قالُوا يا حَسْرَتَنا أي: يا هلكتنا عَلى ما فَرَّطْنا أي: قصَّرنا فِيها أي: في الحياة الدنيا، أو في الساعة، أي: في شأنها والاستعداد لها، وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ، كناية عن تحمل الذنوب، لأن العادة حمل الأثقال على الظهور، وقيل: أنهم يحملونها حقيقة، وقد رُوِي: أن الكافر يركبه عمله، بعد أن يتمثل له في أقبح صورة، وأن المؤمن يركب عمله، بعد أن يتصور له في أحسن صورة. قال تعالى في شأن الكفار: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ أي: بئس شيئًا يَزِرُونَهُ ويرتكبونه في الدنيا وزرهم هذا، الذي يتحملونه على ظهورهم يوم القيامة.