يقول الحق جلّ جلاله:{هل أتى على الإِنسان} ، والاستفهام للتقرير والتعريف، أو بمعنى " قد "، أي: قد مضى على الإنسان قبل زمانٍ قريبٍ {حِينٌ من الدهر} أي: طائفة محدودة كائنة من الزمن الممتد {لم يكن شيئاً مذكوراً} بل كان شيئاً منسياً غير مذكور بالإنسانية أصلاً، كالعنصر والنطفة وغير ذلك. والجملة المنفية: حال من الإنسان، أي: مضى عليه زمان غير مذكور، أو صفة لـ " حين " على حذف العائد، أي: لم يكن فيه شيئاً، والمراد بالإنسان: الجنس.
والإظهار في قوله:{إِنَّا خلقنا الإنسانَ} لزيادة التقرير، أو: يراد آدم عليه السلام، وهو المروي عن ابن عباس وقتادة، فقد أتى عليه حين من الدهر، وهو أربعون سنة مصوَّراً قبل نفخ الروح، وهو ملقى بين مكة والطائف، وفي رواية الضحاك عنه: أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة، ثم من حمأ مسنون، فأقام أربعين سنة، ثم من صلصال، فأقام أربعين، ثم خلقه بعد مائة وعشرين سنة. هـ. قلت: جمهور المؤرخين أنَّ آدم صُوِّر في السماء، ويقال: كان على باب الجنة، تمر به الملائكة وتتعجب منه، ويمكن أن يكون صُوّر في الأرض، ثم رُفع إلى السماء، القدرة صالحة. والله تعالى أعلم بما كان.
وقال بعضهم: المراد بالإنسان الأول: آدم عليه السلام، وبالثاني: أولاده، أي: خلقنا نسل الإنسان {من نُطفةٍ أمشاجٍ} أي: أخلاط، من: مشجت الشيء: إذا خلطته ومزجته، وصف به النطفة؛ لأنها مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة، ولكل منهما أوصاف مختلفة، من اللون، والرقّة، والغلظ، وخواص متباينة، فإنَّ ماء الرجل أبيض غليظ، فيه