للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا أراد الحقُّ تعالى أن ينسخ القبلة ويردها إلى بيت الله الحرام بعد أن كانت إلى بيت المقدس، ذكر خصوصيةَ مَنْ بناه، وكيفية بنائه، وفي ضمن ذلك ذكر شرفه ليكون ذلك داعياً إلى الامتثال، فقال:

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٢٤]]

وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)

قلت: (ابتلى) اختبر، و (إبراهيم) مفعول، وفيه أربع لغات: إبراهام وإبراهوم وإبراهيم وبالقصر، و (ربه) فاعل، وقدم المفعول للاهتمام، ولئلا يعود الضمير على ما بعده لفظاً ورتبة، و (عهدي) فاعل، و (الظالمين) مفعول.

يقول الحق جلّ جلاله: واذكر يا محمد، أو اذكروا يا بني إسرائيل، حين اختبر إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ أن يعمل بها، وهي: تسليم بدنه للنيران، وولده للقربان، وطعامه للضَّيفان، أو عشر خصال: خمس في الرأس:

المضمضة، والاستنشاق، وقصّ الشارب، والسواك، وفرق الرأس. وقيل: وإعفاء اللحية، وخمس في الجسد: تقليم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستنجاء بالماء، والاختتان. أو مناسك الحج أو الخصال التي امتحن بها وهي:

الكوكب، والقمر، والشمس، والنار. والهجرة، والذبح، والأحسن أنها ثلاث: الهجرة من وطنه، ورمي ولده بمكة، وذبح الآخر حين بلغ أن يسعى معه «١» . فَأَتَمَّهُنَّ أي: وَفَّى بهن، فلما وَفَّى بهن (قال) الله تعالى له: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً، أي: قدوة بك في التوحيد، أو في الأصول والفروع، إذ لم يبعث بعده نبي إلا كان من ذريته، ومأمور باتباعه.

ولمّا جعله الله إماماً طلب ذلك لأولاده فقال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فاجعل أئمة، قالَ الحق تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي أي: لا يلحق عهدي بالإمامة الظَّالِمِينَ منهم، إذ لا يصلح للإمامة إلا البررة الأتقياء، لأنها أمانة من الله وعهد، والظالم لا يصلح لها، وفيه تنبيه على أنه قد يكون من ذريته ظلمة لا يستحقون الإمامة، وفيه دليل على عصمة الأنبياء قبل البعثة، وأن الفاسق لا يصلح للإمامة. قاله البيضاوي.

الإشارة: إذا أراد الله تعالى أن يجعل وليّاً من أوليائه إماماً يُقتدى به، وداعياً يدعو إليه، ابتلاه، فإن صبر ورضي اصطفاه، ولحضرته اجتباه، فيكون إماماً يُقتدى به، وداعياً يُهتدى به، وهذه سُنَّة الله تعالى في أصفيائه


(١) قوله: (ورمي ولده بمكة وذبح الآخر) ، يفيد أن الذبيح غير الذي ترك بمكة. وإذا كان الذي ترك بمكة هو إسماعيل- كما هو معروف- فإن الذبيح يكون إسحاق. وهذا ما ذهب إليه قلة من العلماء. والراجح أن الذبيح هو إسماعيل عليه السّلام، وهذا هو المروي عن جمهرة الصحابة والتابعين- وعليه غالب المحدثين والمفسرين، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة. انظر: تفسير: الرازي وابن كثير، والقول الفصيح فى تعيين الذبيح، للسيوطى، والإسرائيليات والموضوعات، للدكتور أبى شهبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>