الإشارة: هل ينظر مَن عكف على دنياه، وأكب على متابعة حظوظه وهواه، إلا أن تنزل الملائكة لقبض روحه، فيندم حيث لا ينفع الندم، وقد زلّت به القدم، فيتمنى ساعة تُزاد في عمره فلا يجدها، أو يأتي أمر ربك أمرٌ يحول بينه وبين العمل الصالح كمرض مزمن، أو فتنة مضلة. كذلك فعل من قبله، اغتر بدنياه حتى اختطف لأخراه. وما ظلمهم الله، بل بعث الرسل وأخلفهم بأهل الوعظ والتذكير، فحادوا عنهم، فأصابهم جزاء سيئات ما عملوا من الغفلة والبطالة، وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون، من وبال التقصير، وفوات مقام أهل الجد والتشمير.
وقال الذين أشركوا في محبة الله سواه من الحظوظ وزهرة الدنيا: لو شاء الله ما فعلنا ذلك، محتجين بالقدر، مع الإقامة على البطالة والخذلان. كذلك فعل مَنْ قَبْلَهُمْ من أهل الغفلة، فهل على الرسل وخلفائهم إلا البلاغ المبين؟ فقد حذَّروا من متابعة الدنيا، وبلَّغوا أن الله غيور لا يُحب من أشرك معه غيره في محبته، فقد بعث في كل أمة وعصر نذيرًا، يأمر بعبادة الله وحده، واجتناب كل ما سواه فمنهم من هداه الله، فاختاره لحضرته، فلم يُحب سواه. ومنهم من حقت عليه الضلالة عن مقام الخصوص، فبقي في مقام البعد مُكَذِّبًا بطريق الخصوص. فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين كان عاقبتهم الحرمان ولزوم الخذلان. ويقال للعارف المذكِّر لمثل هؤلاء:(إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي من يضل) .. الآية. وبالله التوفيق.
ثم ذكر مقالة أخرى لأهل الشرك، وهو إنكار البعث، فقال:
قلت:(وَأَقْسَمُوا) : عطف على (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إيذانًا بأنهم، كما أنكروا التوحيد، أنكروا البعث، مقسمين عليه زيادةً في القطع على فساده، فرد الله عليهم بأبلغ رد، فقال:(بلى) . قاله البيضاوي. وتقدم الكلام على «بلى» ، في البقرة والأعراف «١» ، و (وَعْداً) : مصدر مؤكد لنفسه، وهو ما دل عليه «بلى» فإن «يبعث» وعد، أي: بلى، وعدهم ذلك وعدًا حقًا، ونصب ابن عامر، فيكون عطفًا على «نقول» ، أو جوابًا للأمر.
يقول الحق جلّ جلاله: وَأَقْسَمُوا أي: المشركون، بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أي: أبلغها وأوكدها، لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، فرد الله عليهم بأبلغ رد، فقال: بَلى يبعثهم وَعْداً عَلَيْهِ إنجازه
(١) راجع تفسير الآية ٨١ من سورة البقرة، والآية ١٧٢ من سورة الأعراف.