للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: تسلية أهل البلاء، إذا صحبهم الإحسان والتقوى، وبشارتهم بالعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والنصر والتمكين في الأرض بعد الاستضعاف والهوان، يؤخذ ذلك من قوله: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وفي ذلك يقول الشاعر:

وكُلُّ عَبْدٍ أَرَادَ الله عِزَّتَه ... فَهُو َالعَزِيزُ، وعزُّ اللهِ يغْشَاه

قََدْ لاَحَ عِزُّ لَه في الأرْضِ مُنْتَشِرٌ ... فَهُو الحَبِيبُ لِمَنْ نَادَاهُ لبّاهُ

يا حُسْنَهُ ومَتى قَد طَالَ مَطْلَبُه ... تَاجُ البرية والرحمن صفّاه.

ولما أصاب أرض كنعان ما أصاب سائر البلاد، وسمع يعقوب عليه السّلام بأن ملك مصر يبيع الطعام، أرسل بنيه- غير بنيامين- إلى مصر للميرة، كما قال تعالى:

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٨ الى ٦٢]

وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)

يقول الحق جلّ جلاله: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ إلى مصر للميرة، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، إنما أنكروه لبعد العهد ولتغير سنه، ولأنهم فارقوه في سن الحداثة، ولتوهمهم أنه هلك، أو لقلة تأملهم في حاله لشدة هيبتهم إياه، أو لأنه كان مُلثّماً. رُوي أنهم دخلوا عليه في قصر مُلكه وهو في هيئة عظيمة من الملك، والتاج على رأسه، فقال لهم بعد أن عرفهم: من أنتم، وما أمركم، وما جاء بكم إلى بلادي، ولعلكم عيون؟

فقالوا: معاذ الله، نحن بنوا أب واحد، وهو شيخ صدِّيق، نبي من الأنبياء، اسمه يعقوب. قال: كم أنتم؟ قالوا: كنا اثني عشر، فذهب أحدنا إلى البرية، فهلك. فقال: فكم أنتم هاهنا؟ قالوا: عشرة. قال: فأين الحادي عشر؟ قالوا: عند أبيه يتسلّى به عن الهالك، قال: فمن يشهد لكم؟ قالوا: لا يعرفنا هاهنا من يشهد لنا. قال: فَدَعوا عندي بعضكم رهينة، وائتوني بأخ لكم من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا فأصابت شمعون. وهذا معنى قوله: وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ أعطاهم ما اشتروا منه من الطعام، وأوقر ركابهم، قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ

وهو: بنيامين

<<  <  ج: ص:  >  >>