للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: فَإِنْ كُنْتَ يا محمد فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم، والمراد به: من وقع له شك، فإن الملك إذا إراد أن يُعرض بأحد خاطب كبير القوم وهو يريد غيره، فهو كقول العامة: الكلام مع السارية وافهمي يا جارية.

وأما النبي صلى الله عليه وسلّم فهو بعيد من الشك لأنه عين اليقين، وهو الذي علَّم الناس اليقين، ولذلك قال- عليه الصلاة السلام- لما نزلت: «لا أشُكُ وَلاَ أَسأَل» «١» والمراد بالذين يقرءون الكتاب: من أسلم منهم، كعبد الله بن سلام وغيره، أو فإن كنت أيها المستمع في شك مما أنزلنا إليك على لسان فاسأل ... الخ، وفيه تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها، بالرجوع إلى أهل اليقين إن كانت في التوحيد، أو إلى أهل العلم إن كانت في الفروع.

قال ابن عطية: الخواطر التي لا ينجو منها أحد، هي خلاف الشك الذي يحال فيه على الاستشفاء بالسؤال. هـ.

أي: فإنها معفوّ عنها.

ثم قال تعالى: لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ واضحاً لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ: الشاكِّين بالتزلزل على ما أنت عليه من الجزم واليقين، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ، وهذا كله يجري على ما تقدم من أنه لكل سامع. وقال البيضاوي: هو من باب التهييج والتثبيت، وقطع الأطماع عنه، كقوله: فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ «٢» هـ.

الإشارة: لا تنقطع عن العبد الأوهام والشكوك والخواطر، حتى يدخل مقام الإحسان ويكاشف بمقام الشهود والعيان، بالغيبة عن حس الأكوان، بسطوع أنوار المعاني عند غيبة الأواني، ومن غاب عن حس نفسه غاب عنه حس جميع الأكوان وذلك بصحبة أهل العرفان، الذين سلكوا الطريق حتى أفضوا إلى عين التحقيق، فزاحت عنهم الشكوك والأوهام، وانحلت عنهم الشُّبَه، وزالت عن قلوبهم الأسقام، واطلعوا على تاويل المتشابه من القرآن، فبصحبة هؤلاء ترتفع الخواطر والشكوك، ويرتفع العبد إلى حضرة ملك الملوك، فجلوس ساعة مع هؤلاء تعدل عبادة سنين. وفي بعض الآثار: (تعلموا اليقينَ بمجالسةِ أهل اليقين) قلت: وقد مَنَّ الله علينا بمعرفتهم وصحبتهم، بعد أن تحققنا بخصوصيتهم، فلله الحمد وله الشكر.

ثم أخبر عمن سبق له الشقاء، فلا ينفع فيه سؤال ولا صحبة، فقال:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]

إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)


(١) أخرجه ابن جرير فى تفسيره (١١/ ١٦٨) ، عن قتادة وسعيد بن جبير، وزاد المناوى فى الفتح السماوي (٢/ ٧١٦) عزوه لعبد الرزاق فى تفسيره.
(٢) من الآية ٨٦ من سورة القصص.

<<  <  ج: ص:  >  >>