للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسأله آدم عن أخيه، فقال: ما كنتُ عليه وكيلاً. فقال: بل قتلته فلذلك اسود جسدك، وتبرأ منه، ومكث بعد ذلك مائة سنة لم يضحك، وعدم الظفر بما فعله من أجله. قاله البيضاوي، فانظره مع ما سيأتي عن الثعلبي.

واختلف في كفره فقال ابن عطية: الظاهر أنه لم يكن قابيل كافرًا، وإنما كان مؤمنا عاصيا، ولو كان كافرا ما تحرج أخوه من قتله، إذ لا يتحرج من قتل كافر لأن المؤمن يأبى أن يقتل موحدًا، ويرضى بأن يُظلَمَ ليجازي في الآخرة. ونحو هذا فعل عثمان رضي الله عنه لما قصد أهل مصر قتله مع عبد الرحمن بن أبي بكر، لشُبهةٍ، وكانوا أربعة آلاف، فأراد أهل المدينة أن يدفعوا عنه، فأبى واستسلم لأمر الله. قال عياض: منعه من الدفع إعلام رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأن ذلك سَبَقَ به القدر. حيث بشره بالجنة على بلوى تصيبه، كما في البخاري «١» ، ونقل عن بعض أهل التاريخ: أن شيتًا سار إلى أخيه قابيل، فقاتله بوصية أبيه له بذلك، متقلدًا بسيف أبيه. وهو أول من تقلد بالسيف، فأخذ أخاه أسيرًا وسلسله، ولم يزل كذلك حتى قبض كافرًا. هـ.

قلت: ولعل تحرّج أخيه من قتله لأنه حين قصد قتله لم يُظهِر كفره، وظهر بعد ذلك، فلذلك قاتله أخوه شيت بعد ذلك وأسره، وذكر الثعلبي: أن قابيل لما طرده أبوه، أخذ بيد أخته أقليمًا، فهرب بها إلى أرض اليمن، فأتاه إبليس فقال له: إنما أكلت النار قربان هابيل، لأنه كان يخدم النار ويعبدها، فانصب أنت أيضًا نارًا تكون لك ولعقبك، فبنى بيت نار، وهو أول من عبد النار. هـ. فهذا صريح في كفره. والله تعالى أعلم.

الإشارة: إذا كان الحق جل جلاله يدل العصاة من عباده إذا تحيروا على ما يزيل حيرتهم، فكيف لا يدل الطائعين إذا تحيروا على ما يزيل شبهتهم، إذا فزعوا إليه والتجئوا إلى حماه؟! فكل من وقع في حيرة دينية أو دنيوية وفزع إلى الله تعالى، مضطرًا إليه، فلا شك أن الله تعالى يجعل له فرجًا ومخرجًا من أمره، إما بواسطة أو بلا واسطة. كن صادقا تجد مرشدا، فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر وبال مَن قتل نفسا بغير حق، كما فعل قابيل، فقال:

[[سورة المائدة (٥) : آية ٣٢]]

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)

قلت: (من أجل ذلك) : يتعلق بكتبنا، فيوقف على ما قبله، وقيل: بالنادمين، فيوقف على (ذلك) ، وهو ضعيف، قاله ابن جزي، وأصل (أجْل) : مصدر أجُل يأجل، كأخذ يأخذ، أجلاً، أي: جنا جناية، استعمل في تعليل الجنايات، ثم اتسع فيه، فاستعمل في كل تعليل.


(١) انظر صحيح البخاري (كتاب أصحاب النبي، باب مناقب عثمان بن عفان- رضى الله عنه-) .

<<  <  ج: ص:  >  >>