أو: لا نبي ولا كتاب بعدها ينسخها ويبدل أحكامها، وَهُوَ السَّمِيعُ لكل ما يقال، الْعَلِيمُ بكل ما يضمر، فمن ألحد أو بدل فالله عليم به.
الإشارة: من قواعد أهل التصوف: الرجوع إلى الله في كل شيء، والاعتماد عليه في كل نازل، والتحاكم إلى الله في كل أمر، إن توقفوا في حكم رجعوا إلى كتاب الله، فإن لم يجدوه نصًا، رجعوا إلى سنّة رسول الله، فإن لم يجدوه، استفتوا قلوبهم، وفي الحديث عنه:«استَفت قلبَكَ وإنْ أفتَاكَ المُفتُونَ وأفتوك» . وفي بعض الآثار قالوا:
يا رسول الله أرأيت إن اختلفنا بعدك، ولم نجد نصًا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله؟ قال:«ردوه إلى صلحائكم، واجعلوه شُورَى بينهم ولا تَتَعَدّوا رأيهم» . أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
قلت:(من يضل) : موصولة، أو موصوفة في محل نصب بفعل دل عليه «أعلم» ، أي: يعلم من يضل، فإن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا. أو مبتدأ، والخبر:«يضل» على أن (من) استفهامية، والجملة: معلق عنها الفعل المقدر، كقوله تعالى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى «١» .
يقول الحق جلّ جلاله لرسوله- عليه الصلاة والسلام- ولمَن كان على قدمه: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ من الكفار أو الجهال أو من اتبع هواه يُضِلُّوكَ عَنْ طريق اللَّهِ، الموصلة إلى معرفته، وحلول رضوانه، فإن الضال لا يأمر إلا بما هو فيه، مقالاً أو حالاً. والمراد بهم: من لا يقين عندهم، بل إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وهو ما استحسنته عقولهم، إما تقليدًا، كظنهم أن آباءهم كانوا على الحق، أو ما ابتدعوه برأيهم الفاسد من العقائد الزائفة والآراء الفاسدة، وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أي: يكذبون على الله فيما ينسبون إليه كاتخاذ الولد، وجعل عبادة الأوثان وصُلة إلى الله، وتحليل الميتة وتحريم البحائر، أو يقدّرون في عقولهم أنهم على شيء، وكل ذلك عن تخمين وظن لا يقين فيه، ثم قال لنبيه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي: هو عالم بالفريقين، لا يخفى عليه أهل الحق من أهل الباطل.
الإشارة: مخالطة العموم والركون إليهم والمعاملة معهم سموم قاتلة، قال بعض الصوفية: قلت لبعض الأبدال:
كيف الطريق إلى التحقيق والوصول إلى الحق؟ قال: لا تنظر إلى الخلق، فإن النظر إليهم ظلمة، قلت: لا بد لى،