الأزمنة والليل والنهار، أو حُسبانًا كحسبان الرَّحا يدور بهما الفلك دورة بين الليل والنهار، ذلِكَ التسيير بالحساب المعلوم، هو تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ الذي قهرهما بعزته، وسيرهما على ذلك السير البديع بعلمه وحكمته.
الإشارة: إذا أحب الله عبدا فلق حبة قلبه بعشقه ومحبته، وفلق نواة عقله بالتبصر في عجائب قدرته، فلا يزال قلبُه يميل إلى حضرته، وعقلُه يتشعشع أنواره بازدياد تفكره في عجائب عظمته، حتى تُشرق عليها شمس العرفان، فيفلق عمود فجرها عن ظلمة ليل وجود الإنسان، فيصير حيًّا بمعرفته، بعد أن كان ميتًا بجهله وغفلته، فيميته عن شهود نفسه، ثم يُحييه بشهود ذاته، يُخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي، جاعل ليل العبودية سكنًا، وشمس العرفان وقمر الإيمان حسبانًا، تدور الفكرة بأنوارهما، كما يدور الفلك بالشمس والقمر الحِسيِّين، ذلك تقديرُ العزيز العليم.
يقول الحق جلّ جلاله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها أي: ببعضها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: في ظلمات الليل في البر والبحر، وأضاف الظلمات إليهما لملابستها بهما، أو في مشتبهات الطرق في البر والبحر، وسماها ظلمات على الاستعارة، قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ بيناها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فإنهم المنتفعون بها.
الإشارة: جعل الحق- جل جلاله- نجوم العلم يهتدي السائرون بها في مشكلات أمور الشريعة وأمور الحقيقة، فلبر الشريعة علم يسير به أهلُه إلى جنته ورضوانه، ولبحر الحقيقة علم يسير به أهلها الطالبون لها إلى معرفة ذاته وصفاته، وشهودها في حال جلاله وجماله، ولله در المجذوب رضى الله عنه، حيث قال:
العلم مرايا من هند، والجهل صندوق راشي ... من لا قرايش يعرف الله ما هو مبنى على شى «١»