للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم فصّل ما هددهم به، فقال: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ من كل شق عضو، كَيَدٍ ورِجل من كل واحد، ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ تفضيحًا لكم وتنكيلاً لأمثالكم، وليس في القرآن أنه أنفذ ذلك، ولكن رُوِي عن ابن عباس وغيره أنه فعله. قيل: إنه أول من سنَّ ذلك- أي: القطع من خلاف- فشرعه الله للقطاع تعظيمًا لجرمهم، فلذلك سماه الله محاربة لله ورسوله.

قالُوا أي: السحرة لما خوفهم: إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ بالموت، فيكرم مثوانا، فلا نُبالي بوعيدك، كأنهم اشتاقوا إلى اللقاء، فهان عليهم وعيده، أو إنا وأنت إلى ربنا منقلبون، فيحكم بيننا وبينك، وَما تَنْقِمُ مِنَّا أي: وما تعيب علينا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا، وهو لا يعاب عند العقلاء، لأنه خير الأعمال، وأصل المناقب ومحاسن الخلال، ثم فزعوا إلى الله فقالوا: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي: اصبب علينا صبرًا يغمرنا، كما يُفرغ الماء على الشيء فيغمره، وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على الإسلام. قال البيضاوي: قيل: إنه فعل بهم ذلك، وقيل: إنه لم يقدر عليه، لقوله: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ «١» . هـ. وقد تقدم قول ابن عباس وغيره. والله تعالى أعلم.

الإشارة: انظر مَن سبقت له العناية، هؤلاء السحرة جاءوا يُحادون الله فأمسوا أولياء الله، فكم من خصوص تخرج من اللصوص، وانظر أيضًا صبرهم وثباتهم على دينهم، وعدم مبالاتهم بعدوهم، هكذا ينبغي أن يكون مَن مراده مولاه، لا يلتفت إلى شيء سواه، وعند هذه التصرفات يفتضح المُدّعُون ويثبت الصادقون، عند الامتحان يعز المرء أو يهان.

ثم قال تعالى في تتمة قصة موسى عليه السلام:

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٧ الى ١٢٩]

وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)


(١) من الآية ٣٥ من سورة القصص.

<<  <  ج: ص:  >  >>