قلت: جواب «إذا» محذوف، أي: أعرضوا، فدلّ عليه قوله:«معرضين» .
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ أي: كفار قريش: اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ أي:
ما تقدّم من ذنوبكم، وما تأخّر مما أنتم تعملونه بعدُ، أو: ما بين أيديكم: ما سلف من مثل الوقائع التي حلَّت بالأمم المكذبة قبلكم، وما خلفكم من أمر الساعة، أو: ما بين أيديكم من فتنة الدنيا، وما خلفكم من عذاب الآخرة.
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لتكونوا في رجاء رحمة الله، فإذا قيل لهم ذلك أعرضوا.
قال تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ الدالة على وحدانية تعالى، وصدق رسوله، إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ لا يلتفتون إليها، ولا يرفعون لها رأساً، ف «من» الأولى لتأكيد النفي، والثانية للتبعيض، أي: دأبهم الإعراض عن كل آية وموعظة.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي: تصدّقوا على الفقراء، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من مشركي مكة لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ. عن ابن عباس رضي الله عنه: كان بمكة زنادقة، فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين، قالوا: لا والله، أيُفقره الله ونُطعمه نحن؟! «١» . قيل: سبب الآية: أن قريشاً لَمّا أسلم ضعفاؤهم، قطعوا عنهم صِلاتهم، فندبهم بعضُ المؤمنين إلى ذلك، فقالوا تلك المقالة.
وقيل: إن قريشاً شَحَّتْ- بسبب أزمة نزلت بهم- على المساكين، مؤمِنهم وكافرهم، فندبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة على المساكين، فقالوا على سبيل الجهل: أَنُطعم قوماً أراد الله فقرهم وتعذيبهم. ومن أمثالهم: كن مع الله على المدبر، حتى كان الرجل يرعى إبله، فيجعل السِمَان في الخصب، والمهازيل في الجدب، فإذا قيل له في ذلك، قال:
(١) انظر: البحر المحيط (٧/ ٣٢٥) وتفسير القرطبي (٦/ ٥٦٤١) .