للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: الاشياء كلها، من عرشها إلى فرشها، حيها وجامدها، قانتة وساجدة لله تعالى، من حيث حِسُّها الذي هو مَقَر العبودية، وغنية عن السجود من حيث معناها لأنها من أسرار الربوبية. فالعبد، من حيثُ فرقه، عبد خاضع، ومن حيث جمعه: حُر مُطاع.

قال القشيري: قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أي: في ظنِّكم وتقديركم. وفي الحقيقة السهولة والوعورة على الحق لا تجوز. وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى والصفات العلى في الوجود بحق القِدَم، وفي وجوده- أي: للأشياء- بنعت الكرم، وفي القدرة بوصف الشمول، وفي النظرة بوصف الكمال، وفي العلم بعموم التعلق، وفي الحكْم بوجود التحقق، وفي المشيئة بوصف البلوغ، وفي القضية بحكم النفوذ، وفي الجبروت بعين العز والجلال، وفي الملكوت بنعت الجد والكمال. هـ. قلت: والحاصل ان المثل الأعلى يرجع إلى كمال ذاته، تعالى، وصفاته وأفعاله.

ثم ضرب مثلا لقبح الشرك، بعد بيان علو شأنه، فقال:

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩)

يقول الحق جلّ جلاله: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا لقُبح الشرك وبشاعته، منتزعاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ التي هي أقرب شيء إليكم، وهو: هَلْ لَكُمْ، معَاشرِ الأحْرَارِ، مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ اي: من عبيدكم مِنْ شُرَكاءَ فِي مَا رَزَقْناكُمْ من الأموال وغيرها. فَمِنْ، الأولى: للابتداء، والثانية: للتبعيض، والثالثة: مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. والمعنى: هل لكم، من بعض عبيدكم، شرك فيما رزقناكم، اي: هل ترضون أن يكون عبيدكم شركاء لكم فيما رَزَقْنَاكُمْ؟ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ فتكونون أنتم وهم، فيما رزقناكم من الأموال، سواء يتصرفون فيه كتصرفكم، ويحكمون فيه كحكمكم، مع أنهم بشرٌ مثلكم، حال كونكم تَخافُونَهُمْ أن يستبدوا بالتصرف فيه، كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ أي: كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض- فيما هو مشترك بينهم- أن يستبد فيه بالتصرف دونه. أو: تخافونهم أن يقاسموكم تلك الأموال، أو: يرثونها بعدكم، كما تخافون ذلك من بعضكم، فإذا لم تَرْضَوْا ذلك لأنفسكم، فكيف ترضونه لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد، أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء في استحقاق العبادة؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>