وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يحتمل أن يكون من كلام نبيهم، أو من كلام الحق تعالى لنبينا- عليه الصلاة والسلام-.
الإشارة: من شأن غالب النفوس ألا تقبل الخصوصية عند أحد حتى تظهر علامتُها، ولذلك طالب الكفارُ الرسلَ بالمعجزات، وطالب العوامُ الأولياءَ بالكرامات، ويكفي في الولي استقامة ظاهره، وتحقيق اليقين في باطنه.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه:«إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان: كرامة الإيمان بمزيد الإيقان ونعت العيان، وكرامة العمل على السنة والمتابعة، وترك الدعاوى والمخادعة، فَمنْ أُعطيهما ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو مفتر كذاب، أو ذو خطأ في العلم والعمل ... » الخ كلامه رضي الله عنه.
وقال في العوارف: وقد يكون مَنْ لا يُكَاشَفُ بشيء من معاني القَدَر أفضل ممن يكاشف بها، إذا كاشفه الله تعالى بصرف المعرفة، فالقدرة أثر من القادر، ومن أُهِّل لقرب القادر لا يستغرب ولا يستكثر شيئاً من القدرة، ويرى القدرة تتجلّى من سُحُب أجزاء عالم الحكمة. فالكرامة إنما تظهر للقلوب المضطربة والنفوس المتزلزلة، وأما من سكن قلبه باليقين واطمأنت نفسه بالعيان لم يحتج إلى دليل ولا برهان إذ الجبال الراسية لا تحتاج إلى دُعامة، والله تعالى أعلم.
وكل من طالب أهلَ الخصوصية بالكرامة الحسية ففيه نزعة إسرائيلية، حيث قالوا لنبيهم بعد أن عيَّن لهم مَنْ أكرمه الله بخصوصية الملك:(أَنَّى يَكُونُ لَهُ الملك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُ بِالْمُلْكِ منه) . ورد الحق تعالى عليهم بقوله:
وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ. وما أظهر لهم كرامة التابوت إلا بعد امتناعهم من الجهاد المُتَعَيَّنِ عليهم رحمةٌ بهم. والله تعالى أعلم.