والثاني جواب عن إنكار، فيحتاج إلى زيادة تأكيد. ورَبُّنا يَعْلَمُ جارٍ مجرى القسم في التأكيد، وكذلك قولهم: شَهِد الله، وعَلِمَ اللهُ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي: التبليغ الظاهر، المكشوف بالآيات الظاهرة الشاهدة بصحته.
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ تشاء منا بكم. وذلك أنهم كرهوا دينهم، ونفرت منه نفوسهم. وعادة الجهّال أن يتيمّنوا بكل شيء مالوا إليه، وَقَبِلَتْهُ طباعُهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه، وكرهوه، فإن أصابهم بلاء، أو نعمة، قالوا:
بشؤم هذا، وبركة ذلك. وقيل: حبس عنهم المطر، فقالوا ذلك. وقيل: ظهر فيهم الجذام، وقيل: اختلفت كلماتهم. ثم قالوا لهم: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عن مقالتكم هذه لَنَرْجُمَنَّكُمْ لنقتلنكم بالحجارة، أو: لنطردنّكم، أو: لنشتمنكم، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ وليصيبنّكم منا عذاب الحريق، وهو أشد العذاب.
قالُوا أي: الرسل طائِرُكُمْ سبب شؤمكم مَعَكُمْ وهو الكفر، أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ أي: وُعظتم، ودُعيتم إلى الإسلام تطيّرتم، وقلتم ما قلتم، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ مجاوزون الحد في العصيان، فمن ثَمَّ أتاكم الشؤم، لا من قِبَلِ الرسل. أو: بل أنتم قومٌ مسرفون في ضلالكم وغيّكم، حيث تتشاءمون بمَن يجب التبرُّك به من رسل الله- عليهم الصلاة والسلام.
الإشارة: إذا أرسل الله إلى قلب وليٍّ وارداً أولاً، ثم شكّ فيه، وَدَفَعَهُ، ثم أرسل ثانياً وَدَفَعَه، ثم عزّزه بثالث، وجب تصديقه والعمل بما يقول، وإلا وقع في العنت وسوء الأدب لأن القلب إذا صفى من الأكدار لا يتجلى فيه إلا الحق، وإلا وجب اتهامه، حتى يتبين وجهه. وباقي الآية فيه تسلية لمن قُوبل بالتكذيب من الأولياء والصالحين. وبالله التوفيق.