قال الحق جل جلاله بشارةً لهم: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ فلا تستعجلوا، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
الإشارة: الجنة حفت بالمكاره، ولا فرق بين جنة الزخارف وجنة المعارف، فمن رام دخول جنة المعارف قبل أن يمسه شيء من المكاره، فقد رام المحال. قال أبو المواهب: من ادّعى شهود الجمال، قبل تأدُّبه بالجلال، فارفضه فإنه دجال. وقال بعض العارفين:[صيحة العدو سوط الله يزجر به قلوب أوليائه لئلا تسكن إلى غيره] . وفي الحِكَم:«إنما أجرى الأذى عليهم كي لا تكون ساكناً إليهم، أراد أن يُزْعِجَكَ عن كل شيء حتى لا تكون ساكناً إلى شيء» . وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه:[اللهم إنَّ القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزُّوا، وحكمت عليهم بالفقْدِ حتى وَجَدُوا] . فتسليط الخلق على أولياء الله في بدايتهم سنة ماضية، وحكمة إلهية، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.
حتى إذا تخلصوا من البقايا، وكملت فيهم المزايا، نشر فضيلتهم لعباده، فأقروهم ليُعرفُوهم الطريق إلى الله، ويدلوا العباد على الله، بعد أن كساهم حينئذٍ كُسوة الجمال وكسوة الجلال، فبكسوة الجمال يقع الائتلاف عليهم والعطف لهم، وبكسوة الجلال يقع الامتثال لأمرهم والاستماع لقولهم. والله تعالى أعلم.
ولما أمر الحق تعالى بالنفقة في الجهاد وغيره، سألوا ما الذي ينفقون؟، فبيَّن الله تعالى لهم المنفَق والمحل الذي تُدفع فيه، فقال:
قلت:(ماذا) إما مفعول (يُنفقون) ، أو مبتدأ وخبر بحذف العائد، أي: ما الذي ينفقونه، والسائل هو عمرو بن الجُموح، كان ذا مال فقال: يا رسول الله، ماذا ننفق من أموالنا، وأين نضعها؟ فنزلت الآية.
يقول الحق جلّ جلاله: يَسْئَلُونَكَ يا محمد ماذا يُنْفِقُونَ من أموالهم؟ قُلْ لهم: ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ أيّ خير كان، ذهباً أو فضة أو طعاماً أو ثياباً أو حيواناً أو غير ذلك، فادفعوه للأهمّ فالأهم كالوالدين والأقربين لأن فيهم الصلة والصدقة، وَالْيَتامى الذين مات آباؤهم لهضم حالهم، وَالْمَساكِينِ لضعفهم، وَابْنِ السَّبِيلِ لغربته واحتياجه إلى ما يُبلِّغه إلى وطنه، وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يجازيكم به الله، فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم، وهذه النفقة غير الزكاة، فلا نسخ فى الآية. والله تعالى أعلم.