تنبيه: العلم باعتبار وجوب إظهاره وكتمه على ثلاثة أقسام:
قسم يجب إظهاره، ومَنْ كَتَمَه دخل في وعيد الآية، وهو علم الشريعة الظاهرة، إذا تعيَّن على المسئول بحيث لم يُوجَد من يُفتِي في تلك النازلة.
وقسم يجب كتمه، وهو علم سرّ الربوبية، أعني التوحيدَ الخاص، فهذا لا يجوز إفشاؤه إلا لأهله، وهو من بذل نَفْسَه وفَلْسَهُ وخَرقَ عوائد نفسه، فهذا لا يحل كتمه عنه إذا طلبه.
وقسم يُستحب كتمه، وهو أسرار القدَر المُغَيَّبَات، فهذا من باب الكرامات يستحب كتمها ولا يجب، والله تعالى أعلم.
هنا انتهى العتاب لبني إسرائيل والكلام معهم، وابتداؤه من قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ..،. وإنما تخلَّل الكلامَ ذكرُ إبراهيم وبنيه توطئةً لنسخ القبلة الذي أنكروه، فذكر بناء الكعبة وبيان شرفها، وانجر الكلام إلى ذكر الصفا والمروة لقرب المناسبة والجوار.
فلما فرغ من عتابهم دلَّهم على التوحيد، وشاركهم فى ذلك غيرهم، فقال:
قلت: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ مبتدأ وخبر، وجملة لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ: تقرير لها وتأكيد، والرَّحْمنُ الرَّحِيمُ: خبران آخران، أو عن مبتدأ مضمر، وأنث الْفُلْكِ لأنه بمعنى السفينة، ومِنَ السَّماءِ ابتدائية، ومِنْ ماءٍ بيانية، وبَثَّ: عطف على أَنْزَلَ أو فَأَحْيا لأن الحيوانات تنمو بنزول المطر والخصب، والبث: النشر والتفريق وتَصْرِيفِ الرِّياحِ: هبوبها من الجهات المختلفة.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِلهُكُمْ يا معشر العباد الذي يستحق ان يُعبد إِلهٌ واحِدٌ لا شريك له، ولا نظير، ولا ضد له ولا ند، لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ، إذ لا يستحق العبادة غيره، إذ هو الرَّحْمنُ بنعمة الإيجاد الرَّحِيمُ بنعمة الإمداد، فكل ما سواه مُكونٌ مخلوق، إما مُنْعَم عليه أو نعمة، فلم يستحق العبادة غيره.