قلت:(أم) للإضراب بمعنى بل وهو على قسمين: إما إضراب عن المعنى السابق، أو لفظه فقط كما هنا، انظر تفسير ابن عطية، وإضافة الرسول إليهم باعتبار ما في نفس الأمر. وهو نص في إرساله إليهم كما أرسل إلى غيرهم. والضلال: التلف. وسَواءَ السَّبِيلِ: وسط الطريق.
يقول الحق جلّ جلاله: أتريدون يا معشر اليهود أن تقترحوا على نبيكم الذي أرسلت إليكم، وإلى كافة الخلق من غيركم الآيات، وتسألوه أن يريكم المعجزات، كما سألتم موسى من قبل فقلتم: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً تشغيباً وتعنتاً، وأبيتم عن الإيمان، واستبدلتموه بالكفر والعصيان، وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فقد تلف عن طريق الحق والسداد، ومأواه جهنم وبئس المهاد.
الإشارة: لا يُشترط في الولي ظهور الكرامة، وإنما يشترط فيه كمال الاستقامة، ولا يشترط فيه أيضا هداية الخلق على يديه إذ لم يكن ذلك للنبي فكيف يكون للولي؟ قال تعالى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وقد سَرَى في طبع العوام ما سَرَى في طبع الكفار، قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً الآية.
فكثير من العوام لا يقرون الولي حتى يروا له آية أو كرامة، مع أن الولي كلما رسختْ قدمه في المعرفة قلَّ ظهور الكرامة على يديه لأن الكرامة إنما هي معونة وتأييد وزيادة إيقان. والجبل الراسي لا يحتاج إلى عماد.
والحق هو ما قاله الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه:(وإنهما كرامتان جامعتان محيطتان: كرامة الإيمان بمزيد الإيقان على نعت الشهود والعيان، وكرامة العمل على السنة والمتابعة، ومجانبة الدعاوى والمخادعة، فمن أُعْطِيَهُمَا ثم اشتاق إلى غيرهما فهو مفتر كذاب، أو ذو خطأ في العلم والفهم، كمن أكرم بشهود الملك على نعت الرضى والكرامة، ثم جعل يشتاق إلى سياسة الدواب وخِلَعِ الرضا) أو كما قال رضي الله عنه.
وقال شيخنا رضي الله عنه:(الكرامة الحقيقية هي الأخلاق النبوية والعلوم اللدنية) . فمن أنكر أولياء أهل زمانه وطلب منهم الدليل غير ما تقدم فقد ضل سواء السبيل، وبقي مربوطاً في سجن البرهان والدليل. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.