وقال الورتجبي: الجهال يرون الأشياء بأبصار الظواهر، وقلوبهم محجوبة عن رؤية حقائق الأشياء، التي هى تلمع منها أنوار الذات والصفات، وأعماهم الله بغشاوة الغفلة وغطاء الشهوة. هـ.
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أي: أنذركم إنذارًا مبينًا بما أوحي إليَّ من أخبار الأمم المهلَكة، من غير أن يكون لي دخل في الإتيان بما توعَدُونه من العذاب الذي تستعجلونه.. وإنما لم يقل: نذير وبشير، مع ذكر الفريقين بعده لأن الحديث مسوق إلى المشركين فقط. والمراد بالناس: الذين قيل فيهم: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ، ووصفوا بالاستعجال، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم. فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ أي: حسن، وهي الجنة.
والكريم من كل نعيم: ما يجمع فضائله ويحوز كمالاته.
وَالَّذِينَ سَعَوْا، يقال: سَعَى في أمر فلان: إذا أفسده بسعيه، أي: أفسدوا فِي آياتِنا أي: القرآن بسعيهم في إبطاله، مُعاجِزِينَ أي: مسابقين. وقرأ المكي والبصري:«معجّزين» . بالشد، أي: مُثبطين الناس عن الإيمان. يقال: عاجزه: سابقه لأنَّ كل واحد منهما يطلب عجز الآخر، واللحوق به، فإذا غلبه، قيل: أعجزه وعجزه. والمعنى: سعوا في معناها بالفساد من الطعن فيها، حيث سمُّوها سحرًا وشعرًا وأساطير الأولين، مسابقين في زعمهم وتقديرهم، طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم. أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ أي: ملازموا النار الموقودة. وقيل: هو اسم دركة من دركاتها.
الإشارة: الدعاة إلى الله تعالى إنما شأنهم التحذير والتبشير، ثم ينظرون ما يفعل الله في ملكه وخلقه، من هداية أو إضلال، وليس من شأنهم طلب ظهور المعجزات، أو الكرامات، ولا الحرص على هداية الخلق بالكد والاجتهاد، إنما شأنهم التذكير، ويردون الأمر إلى الملك القدير، فلا يتأسفون على من تخلف عنهم.
وكان عليه الصلاة والسلام- يحرص على هداية قومه، فلما نهاه الحق تعالى عن ذلك، رجع وتأدب بكمال العبودية، وبه اقتدى خلفاؤه من بعده، فكان صلى الله عليه وسلم في أول أمره يتمنى أن ينزل عليه ما يُقارب بينه وبين قومه، لعلهم يتدبرون فيما ينزل عليه فيُسلموا، فقرأ يومًا سُورَةَ النَّجْمِ، فَأُلقِي في مسامعهم ما يدل على مدح آلهتهم، فحزن