ثم ذكر حكمة إنزال الكتاب، فقال:
[[سورة الأعراف (٧) : آية ٢]]
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)
قلت: (كتاب) : خبر، أي: هذا كتاب، و (أُنزل) : صفته، والحرج: الضيق، و (لتنذر) : متعلق بأُنزل، أو بلا يكن، لأنه إذا أيقن أنه من عند الله جسر على الإنذار، وكذا إذا لم يخفهم، و (ذكرى) : يحتمل النصب بإضمار فعل، أي:
لتُنذر ولتذكر ذكرى، والجر عطف على (لتنذر) ، أي: للإنذار والتذكير، والرفع عطف على (كتاب) .
يقول الحق جلّ جلاله: هذا كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ من ربك، فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ أي:
ضيق وثقل من أجل تبليغه لمن يُكذب به، مخافة أن تكذّب فيه، أو مخافة أن تقصر على القيام بتبليغه، أو بحقوقه، وتوجيه النهي إلى الحرج للمبالغة، كقولك: لا أرينك هاهنا، كأنه قال: فلا يحرج صدرك منه، وإنما أنزلناه إليك لتُنذر به من بلغه، وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي: وتذكيرًا وموعظة للمؤمنين لأنهم هم المنتفعون بمواعظة.
الإشارة: تذكير أهل الإنكار ووعظهم يحتاج إلى سياسة كبيرة وحلم كبير وصبر عظيم، لا يطيقه إلا الأكابر من أهل العلم بالله كالأنبياء والصديقين، لسعة معرفتهم، واتساع صدورهم لحمل الجفاء وتحمل الأذى، ونهيه تعالى لنبيه- عليه الصلاة والسلام- عن ضيق صدره: تشريع لورثته من بعده الداعون إلى الله- عزَّ وجَلَّ وإلّا فهو صلّى الله عليه وسلّم بحر واسع، لا تكدره الدِّلاءُ، كما قال البوصيري.
فَهو البَحرُ والأَنَامُ إِضاء «١» والله تعالى أعلم.
ثم حضّ على الإتباع، فقال:
[[سورة الأعراف (٧) : آية ٣]]
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣)
قلت: (قليلاً) : صفة لمصدرٍ، أو زمانٍ محذوف، أي: تتذكرون تذكراً قليلاً، أو زماناً قليلاً، والعامل فيه:
تذكرون، و (ما) : زائدة لتأكيد القلة.
(١) الإضاءة: جمع إضاءة، وهى: الغدران- جمع غدير. قلت: وهذا شطر بيت، أوله: لا تقس بالنبيّ فى الفضل خلقا.