قال في الحاشية: ومقتضى حديث الكسوف، وقوله فيه:«ذلك يُخوف بهما عبادة» : أن التخويف لا يختص بالخوارق، بل يعم غيرها، مما هو معتاد نفيه، ويأتي غِبا. وفي الوجيز:(بِالْآياتِ) أي: العبر والدلالات. وفي الورتجبي: الآيات هي: الشباب والكهولة والشيبة، وتقلب الأحوال بك، لعلك تعتبر بحال، أو تتعظ بوقت. هـ.
الإشارة: إمساك الكرامات عن المريد السائر أو الولي: رحمة واعتناء به، فلعله حين تظهر له، يقف معها ويستحسن حاله، أو يزكي نفسه ويرفع عنها عصا التأديب، فيقف عن السير، ويُحرم الوصول إلى غاية الكمال، وفي الحكم:«ما أرادت همة سالك أن تقف عند ما كشف لها، إلاّ نادته هواتف الحقيقة: الذي تطلب أمامك» . وقال الششترى رضي الله عنه:
ومهما ترى كل المراتب تجتلي ... عليك، فحل عنها، فعن مثلها حلنا
وقل: ليس لي في غير ذاتك مطلب ... فلا صورة تُجْلى، ولا طُرْفَةٌ تُجْنى
ولما نزّه تعالى نفسه في أول السورة عن الجهة، التي تُوهمها قضيةُ الإسراء، صَرَّحَ هنا بأنه محيط بكل مكان وزمان، لا يختص بمكان دون مكان، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذْ قُلْنا لَكَ فيما أوحينا إليك إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ علماً وقدرة، وأسرار وأنواراً، كما يليق بجلاله وتجليه، فلا يختص بمكان ولا زمان، بل هو مظهر الزمان والمكان، وقد كان ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ في قضية الإسراء، قال ابن عباس:«هي رؤيا عين» حيث رأى أنوار جبروته في أعلى عليين، وشاهد أسرار ذاته أريناك ذلك في ذلك المكان إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ اختباراً لهم، من يصدق بذلك ولا يكيف، ومن يجحده من الكفرة. ومن يقف مع ظاهره، فيقع في التجسيم والتحييز، ومن تنهضه السابقة إلى التعشق فيجاهد نفسه حتى تعرج روحه إلى عالم الملكوت، فتكاشف بإحاطة أسرار الذات بكل شيء.
وإنما خصّ الحق تعالى إحاطته بالناس، مع أنه محيط بكل شيء، كما في الآية الأخرى: أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ «١» لأنهم المقصودون بالذات من هذا العالم، وما خلق إلا لأجلهم. فاكتفى بالإحاطة بهم عن إحاطته بكل شىء.