مع بقاء أثره في القلب من ازدياد اليقين، والتعلق برب العالمين. (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) واصطبر أنت عليها، فإن رزقنا يأتيك لا محالة، في الوقت الذي نريده، (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) لك ولا لأهلك، (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) ، لكن رزق المتقين، لا رزق المترفين، (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) . وبالله التوفيق.
ثم ذكر بعض أقاويل الكفرة، التي أمر عليه الصلاة والسلام بالصبر عليها. أو تقول: ثم ردّ على مَن طلب المعجزة، بعد هذا البيان التام، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالُوا أي: كفار مكة: لَوْلا: هلاّ يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ تدل على صدقه، أو بآية مما اقترحوها من تفجير الأرض وتسيير الجبال، ولم يعدوا ما شهدوا من المعجزات التي تخر لها الجبال من قبيل الآيات مكابرة وعنادًا. قال تعالى: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى أي: أوَ لَمْ يأتهم القرآن الذي فيه بيان ما في الصُحف الأُولى التوراة والإنجيل والزبور، وسائر الكتب السماوية لاشتماله على ما فيها، وزيادة علوم وأسرار. وهذا رد من جهته تعالى لمقالتهم، وتكذيب لهم فيما دسوا تحتها، من إنكار إتيان الآية، بإتيان القرآن الكريم، الذي هو أبهر الآيات، وأسنى المعجزات، وأعظمها، وأبقاها لأن حقيقة المعجزة: اختصاص مدّعي النبوة بنوع من الأمور الخارقة للعادة، أيّ أمر كان، ولا ريب في أنَّ العلم أجلْ الأمور وأعلاها إذ هو أصل الأعمال، ولقد ظهر، مع حيازته لعلوم الأولين والآخرين، على يد أمي، لم يمارس شيئًا من العلوم، ولم يدارس أحدًا من أهلها أصلاً، فأيّ معجزة تراد بعد وروده؟ وأيّ آية ترام مع وجوده؟! وفي إيراده بعنوان كونه بينة لما في الصحف الأولى، أي: شاهدًا بحقية ما فيها من العقائد والأحكام، التي أجمعت عليها كافة الرسل، ما لا يخفى من تنويه شأنه وإنارة برهانه، ومزيد تقرير وتحقيق لإتيانه. وقال بعض أهل المعاني: أو لم يأتهم بيان ما في الكتب الأولى، من أنباء الأمم الذين أهلكناهم، لما سألوا الآيات، فأتتهم، فكفروا بها، كيف عجلنا لهم الهلاك؟ فما يُؤمن هؤلاء، إن أتتهم البينة، أن يكون حالهم كأولئك.