وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ في تلك البيوت، أُمروا بذلك أول مرة لئلا تظهر عليهم الكفرة ويفتنونهم عن دينهم، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بالنصر والعز في الدنيا، وبالجنة في العقبى.
الإشارة: اتخاذ الأماكن للعبادة والعزلة مطلوب عند القوم، وفي الحِكَم:«ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة» ، وأصلهم في ذلك: اعتزاله صلّى الله عليه وسلّم في غار حراء في مبدأ الوحي، فالخلوة للمريد لا بد منها في ابتداء أمره، فإذا قوي نوره ودخل مقام الفناء صلح له حينئذٍ الخلطة مع الناس، بحيث يكون جسده مع الخلق وقلبه مع الحق، فإن لله رجالاً أشباحُهم مع الخلق تسعى، وأرواحهم في الملكوت ترعى. وقال بعضهم:[الجَسدُ في الحانوت والقلب في الملكوت] ، فإذا رجع إلى البقاء لم يختَرْ حالاً على حال لأنه مع الله على كل حال، وهذا من أقوياء الرجال. نفعنا الله بهم.
قلت: اللام في (ليُضلوا) لام كي، متعلقة بآتيت محذوفة، أو بالمذكورة، ولفظ (ربنا) تكرار، أو تكون لام الأمر، فيكون دعاء عليهم بلفظ الأمر، بما علم من قرائن أحوالهم أنه لا يكون غيره. فَلا يُؤْمِنُوا: جواب الدعاء، أو عطف على (ليضلوا) .
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً: ما يتزين به من الملابس والمراكب ونحوها، وَأَمْوالًا: أنواعاً من المال فِي الْحَياةِ الدُّنْيا استدراجاً، رَبَّنا آتيتهم ذلك لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ طغياناً وبطراً بها، وصرفها في غير محلها، أو ربنا اجعلهم ضالين عن سبيلك، كقول نوح عليه السلام: وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا «١» لما أيس من إيمانهم، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ أي: أهلكها وامحقها، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ بالقسوة، واطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ أي: إن تطمس على أموالهم وتشدد على قلوبهم لا يؤمنوا إلا قهرا.