الإشارة: مدار صفاء المعاملة على تصفية اللقمة، فمن صفَّا طعمته صفت معاملته، ومن صفت معاملته أفضى الصفاء إلى قلبه، ومن خلط في لقمته تكدرت معاملته، ومن تكدرت معاملته تكدر قلبه، ولذلك قال بعضهم:(مَنْ أكَلَ الحلال أطاع الله، أحبَّ أم كَرِهَ، ومن أكل الحرام: عصى الله، أحبَّ أم كَرِه) وكذلك الواردات الإلهية، لا ترد إلا على من صفا مطعمه ومشربه، ولذلك قال بعضهم:(من لا يعرف ما يدخل بطنه لا يفرق بين الخواطر الربانية والشيطانية) .
وقال سيدى على الخواص رضي الله عنه:(اعلم أن المدد الذي لم يزل فياضاً على قلب كل إنسان ويتلون بحسب القلب، والقلب يتلون بحسبه هو بحسب صلاح الطعمة وفسادها) . هـ. فالذين يأكلون الحرام كالربا وشبهه، لا يقومون إلى معاملتهم للحق إلا كما يقوم المجنون الذي يلعب به الشيطان، ولا يدري ما يقول ولا ما يقال له، فقد حُرم لذيذ المناجاة وحلاوة خلوص المعاملات، فإن احتج لنفسه واستعمل القياس لم يُرْجَ فلاحُه في طريق الخواص، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى، وطلب العفاف فقد عفا الله عما سلف. ومن عاد إلى ما خرج عنه من متابعة هواه، فنار القطيعة مثواه ومأواه.
ومن شأن الحق جلّ جلاله مع عباده: أن من طلب الزيادة في حس ظاهره محق الله نور باطنه، ومن حسم مادة زيادة الحس في ظاهره قوي الله مدد الأنوار في باطنه، (يَمْحَقُ الله الربا ويربى الصدقات) ، أي: يُقَوِّي مدد ثواب الصدقات. (وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كل كفّار أثيم) ، وإنما يحب كل مطيع منيب، وهو من آمن إيمان أهل التحقيق، وسلك مسلك أهل التوفيق. فلا جرم أنه ينخرط في سلك أهل العناية، ويسلك به مسلك أهل الولاية، (الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) حق تقاته، واتركوا ما بقي في باطنكم من بقايا الحس وأسبابه، إن كنتم طالبين إيمان أهل الشهود، والوصول إلى الملك المعبود. فإن لم تفعلوا ذلك فاعلموا أنكم في مقام البعد من حيث لا تظنون، معاندون وأنتم لا تشعرون. وإن رجعتم إلى ربكم فلكم رؤوس أموالكم، وهو نور التوحيد، لا تنقصون منه ولا تزيدون عليه، إلا إن أفردتم الوجهة إليه، وطلبتم الوصول منه إليه، فإن الله لا يُخيٍّب من أمَّل جُوده، ولا يردُّ من وقَف ببابه، بمنِّه وكرمه.