قلت:(لإيلافِ) : متعلق بقوله: " فليعبدوا "، والفاء لِما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى: أنَّ نعم الله تعالى على قريش غير محصورة، فإن لم يَعبدوا لسائر نِعَمه فليعبدوا لإيلافهم الرحلتين، وجاز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها؛ لانها زائدة غير عاطفة، ولو كانت عاطفة لم يجز التقديم، وقيل: يتعلق بمُضمر، أي: فعلنا من إهلاك أصحاب الفيل لإيلاف قريش، وقيل: بما قبله من قوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (٥) } [الفيل: ٥] ، ويؤيده: أنهما في مصحف " أُبيّ " سورة واحدة بلا فصل، والمعنى: أهلك مَن قصدهم مِن الحبشة ليتسامع الناس بذلك؛ فيتهيبوا لهم زيادة تهيُّب، ويحترموهم فضل احترام، حتى يتنظم لهم الأمن في رحلتيهم.
يقول الحق جلّ جلاله:{لإِيلافِ قريشٍ} أي: فلتعبد قريش رب هذا البيت لأجل إيلافهم الرحتلين، وكانت لقريش رحلتان، يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتّجرون، وكانوا في رحلتهم آمنين؛ لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز، فلا يُتَعرّض لهم، والناس بين مختطف ومنهوب. و (الإيلاف) : مصدر، من قولهم: ألفت المكان إيلافاً وإلافاً وإلفاً. وقريش: ولد النضر بن كنانة، وقيل: ولد فهر بن مالك، سُمُّوا بتصغير القِرْش، وهو دابة عظيمة في البَحر، تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار، والتصغير للتفخيم، سُمُّوا بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيهاً بها. وقيل: مِن القَرْش، وهو الجمع والكسب؛ لأنهم كانوا كسّابين بتجارتهم وضربهم في البلاد.
وقوله تعالى:{إِيلافهم رحلةَ الشتاءِ والصيف} بدل من الأول، أطلق الإيلاف، ثم أبدل منه المقيّد بالرحلتين تفخيماً لأمر الإيلاف، وتذكيراً لعظيم هذه النعمة. و " رحلة "