ابن حجر: ولا مانع من أن تتناول الآية كلَّ من أتى بحسنة وفَرِحَ بها فَرَحَ إعجاب، وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: لا يظن أهل الفرق الذين يسندون الأفعال إلى أنفسهم، غائبين عن فعل ربهم، ويحبون أن يحمدهم الناس ويمدحهم بفعل غيرهم، أنهم فائزون عن عذاب الفرق، وحجاب العجب، إذ لا فاعل سوى الحق، فمن تمام نعمته عليك أن خلق فيك ونسب إليك، فإن فرح العبد بالطاعة من حيث ظهورها عليه، وهي عنوان العناية- ورأى نفسه فيها كالآلة، معزولاً عن فعلها، محمولاً بالقدرة الأزلية فيها، فلا بأس عليه، ويزيد بذلك تواضعاً وشكراً، وإن فرح بها من حيث صدورها منه، ويتبجح بها على عباد الله، فهو عين العجب، وفي الحكم:«لا تُفرحكَ الطاعة من حيث إنها صَدَرَتْ منك، وافرح بها من حيث إنها هدية من الله عليك قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» .
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وأظهارهما للعيان، لَدلائل واضحة على وجود الصانع، وكمال قدرته، وعلمه، لذوي العقول الكاملة الصافية، الخالصة من شوائب الحس والوهم.
قال البيضاوي: ولعل الاقتصار على هذه الثلاثة في هذه الآية لأن مناط الاستدلال هو التغير، وهذه متعرضة لجملة أنواعه، فإنه- أي التغير- إما أن يكون في ذات الشيء، كتغير الليل والنهار، أو جزئه، كتغير الناميات بتبدل صورها، أو لخارج عنها، كتغير الأفلاك بتبدل أوضاعها، وعن النبي صلى الله عليه وسلم:«وَيْلٌ لمن قَرَأَهَا ولَمْ يَتَفَكَرْ فِيْهَا» .
الإشارة: الخلق هو الاختراع والإظهار، فإظهار هذه التجليات الأربعة يدل على أن الحق- تعالى- تجلى لعباده بين الضدين، بين النور والظلمة، بين القدرة والحكمة، بين الحس والمعنى، وهكذا خلق من كل زوجين اثنين، ليقع الفرار من إثنينية حسهما إلى فردية معناهما، ففرّوا إلى الله، فالسموات والنهار نورانيان، والأرض والليل ظلمانيان، ففي ذلك دلالة على وحدة المعاني، فلا تقف مع الأواني، وخُض بحر المعاني، لعلك تراني. وبالله التوفيق.
ثم وصف أولى الألباب الذين يدركون صفاء هذه المعاني، فقال: