يقول الحق جلّ جلاله: وَأَدْخِلْ يَدَكَ يا موسى فِي جَيْبِكَ في جيب قميصك. والجيب: الفتح في الثوب لرأس الإنسان. قال الثعلبي: إنما أمره بذلك لأنه كان عليه مدرعة صوف، لا كُم لها. تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ من غير آفة، كَبَرَصٍ ونحوه، فِي تِسْعِ آياتٍ أي: هاتان الآيتان في جملة تسع آيات، وهي الفلق، والطوفان، والجراد، والقُمل، والضفادع، والدم، والطمس، والجدب في بواديهم، والنقصان في مزارعهم.
ومن عدّ اليد والعصا من التسع عدّ الاخيرين واحداً، ولم يعد الفلق لأنه لم يبعث به إلى فرعون. وقوله: إِلى فِرْعَوْنَ متعلق بمحذوف، أي: مرسلاً، أو: ذاهباً إلى فرعون وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن أمر الله، كافرين به.
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا معجزاتنا، وظهرت على يد موسى، حال كونها مُبْصِرَةً بيّنة واضحة، وهي اسم فاعل، أطلق على المفعول، إشعاراً بأنها لفرط ظهورها كأنها تبصر نفسها مبالغة في وضوحها، وإلا فهي مبصرة لمن ينظر ويتفكر فيها. أو: ذات تبصر لأنها تهدي من يتبصر بها. فلما جاءتهم قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ واضح سحريته.
وَجَحَدُوا بِها أي: كذّبوا بها وَقد اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أي: علمتها علماً يقيناً، فالاستيقان: أبلغ من الإيقان. يعني: أنهم جحدوا بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم. ظُلْماً: حال من ضمير (جحدوا) أي: ظالمين في ذلك، ولا ظلم أفحش ممن تيقن أنها آيات من عند الله، وسماها سحراً بيّناً، وَعُلُوًّا تكبراً وترفعاً عن الإيمان بموسى عليه السلام، وهو أيضاً حال، أو: علة، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وهو الإغراق في الدنيا، والإحراق في الآخرة. نسأل الله العافية.
الإشارة: وأدْخِل يد فكرتك في جيب قلبك، تخرج بيضاء شعشعانية، يستولي شعاعها على وجود بشريتك، فتنخنس البشرية تحت أنوار المعاني، ثم يستولي على الوجود بأسره، فيصير كله نوراً ملكوتياً جبروتياً، متصلاً