حقَّكَ، لا لِطَلَبِ حظوظهم. ويقال: اكتفى بأن يكونوا في ظلال عنايته عن أن يكونوا في ظلال نعيمهم. ثم قال:
قوله: بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ أي: أسكنتُهم هذا الوادي، ولا متعلق من الأغيار لقلوبهم، ولا متناول لأفكارهم وأسرارهم، فهم مطروحون ببابِكَ، مُقيمون بحضرتك، جار فيهم حُكمك، إن رَاعَيتَهُم كَفَيْتَهم، وكانوا أعَزَّ خلقِ اللهِ، وإن أقصيتهم وأوبقتهم كانوا أضعف وأذلَّ خَلْقِكَ. هـ.
وقوله تعالى: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ: قال القشيري: ليشتغلوا بعبادتك، فأفُرد قوماً يقومون لهم بكفايتهم، وارزقهم من الثمرات، فإنَّ مَن قام بحقِّ الله قام الله بحقِّه. فاستجاب الله دعاءَه فيهم، فصارت القلوبُ من أهل كل بَر وبحرٍ كالمجبولة على محبة ذلك البيت، ومحبة أولئك المصلين من سُكانه. وقال الورتجبي: سأل أن يجعلهم مرادي جلاله وجماله، ويجعلهم آية الصادقين والعاشقين، بقوله:(فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) ، تميل بوصف الإرادة والمحبة لك، والاقتداء بهم في إقامة سُنتك، وألبسهم لباس أنوارك، وألق في قلوب خلقك محبتهم بمحبتك. هـ. ومعنى قوله: مرادي جلاله وجماله: أي: مظهراً لجلاله وجماله، يعشقهم البَرُّ والفاجر، والكامل والناقص، فقد ظهر فيهم الجلال والجمال. والله تعالى أعلم.
قلت:(لسميعُ الدعاء) : من إضافة أمثلة المبالغة إلى مفعوله، أي: لسميع دعاء من دعاه. و (من ذريتي) :
عطف على مفعول «اجعل» ، أي: اجعلني وبعض ذريتي مقيمين للصلاة.
يقول الحق جلّ جلاله، حاكيا عن خليله عليه السلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ أي: مع كبر سني عن الولد، إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ، رُوي أنه وُلد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة، وإسحاق لمائة وثنتي عشرة سنة، وقيل: غير ذلك. وإنما ذكر كبر سنه ليكون أعظم في إظهار النعمة، وإظهاراً لما فيه من الآية، ولذلك قال: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ أي: يجيب من دعاه، من قولك: سمع الملك كلامي، إذا اعتنى به. وفيه إشعارٌ بأنه تقدم منه سؤال الولد، فسمع منه، وأجابه حين وقع اليأس منه، ليكون من أجلِّ النعم وأجلاها.