للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ النَّاسِ أي: اجعل أفئدة من بعض الناس، تَهْوِي إِلَيْهِمْ أي: تسرع إليهم شوقاً ومحبة، و «من» :

للتبعيض، ولذلك قيل: لو قال: أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم، ولحجت اليهودُ والنصارى. وقيل: للبيان أي: أفئدة ناسٍ. وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ مع كونهم بوادٍ لا نبات فيه، لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ تلك النعمة، فأجاب دعوته، فجعله حرماً آمناً تُجبى إليه ثمرات كل شيء، حتى أنه يوجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية، في يوم واحد.

رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ أي: تعلم سرنا، كما تعلم علانيتنا، والمعنى: إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا، وأرحم منا بأنفسنا، فلا حاجة لنا إلى الطلب، لكننا ندعوك إظهاراً لعبوديتك، وافتقاراً إلى رحمتك، واستجلاباً لنيل ما عندك. قاله البيضاوي. أي: فيكون مناسباً لحاله في قوله: «علمه بحالي يُغني عن سؤالي» .

وقيل: ما نُخفي من وَجْدِ الفرقة، وما نعلن من التضرع إليك والتوكل عليك. وتكرير النداء للمبالغة في التضرع واللجوء إلى الله تعالى. وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ لأن علمه أحاط بكل معلوم. و «من» : للاستغراق.

الإشارة: ينبغي للعبد أن يكون إبراهيمياً، فيدعو بهذا الدعاء على طريق الإشارة، فيقول: رب اجعل هذا القلب آمناً من الخواطر والوساوس، واجنبني وبَنِيَّ، أي: بَعِّدْنِي ومن تعلق بي، أن نعبد الأصنام، التي هي الدنانير والدراهم، وكل ما يُعشق من دون الله، (رب إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ الناس) فتلفوا في حبها والحرص عليها، فلا فكرة لهم إلا فيهما، ولا شغل لهم إلا جمعهما، فمن تبعني في الزهد فيهما، والغنى بك عنهما، فَإِنَّهُ مِنّىِ، وَمَن عَصَانِى، واشتغل بمحبتهما وجمعهما، (فإنك غفور رحيم) .

وقوله: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ فيه: تعليم اليقين لمن طلب تربية اليقين. قال الورتجبي: فيه إشارة إلى تربية أهله بحقائق التوكل والرضا والتسليم، ونِعْم التربية ذلك، فأعلمنا بسنته القائمة الحنيفية السمحة السهلة، الخليلية الحبيبية، الأحمدية المصطفوية- صلوات الله عليهما- أن العارف الصادق ينبغي له ألا يكون معوله على الأملاك والأسباب- في حياته وبعد وفاته- لتربية عياله، فإنه تعالى حسبه، وزاد في تربيتهم بأن يؤدبِّهم بإقامة الصلاة، إظهاراً للعبودية، وإخلاصاً في المعرفة، وطلباً للمشاهدة، ومناجاة في القربة بقوله:

«ربنا ليقيموا الصلاة» . الخ.

وقال القشيري: أخبر عن صدق توكله وتفويضه، أي: أسكنت قوماً من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع، عند بيتك المحرّم. وإنما رد الرِّفق لهم في الجِوارِ فقال: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، ثم قال: لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ. أي: أسكنتُهم لإقامة

<<  <  ج: ص:  >  >>