للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إضافة موصوفها. وقيل: الضعف من أسماء العذاب. وقيل: المراد بضعف الحياة: عذاب الآخرة لأن حياته دائمة، وبضعف الممات: عذاب القبر. ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يدفع عنك العذاب.

وَإِنْ كادُوا أي: كاد أهل مكة لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم مِنَ الْأَرْضِ التي أنت فيها. وهي: أرض مكة، لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا إلا زمنًا قليلاً. وقد كان كذلك، فإنهم أُهلكوا ببدر بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، وقيل: نزلت في اليهود فإنهم حَسَدوا مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا:

الشام مقام الأنبياء، فإن كنت نبيًا فالحَقْ بها حتى نؤمن بك. فوقع ذلك في قلبه صلى الله عليه وسلم، فخرج مرحلة، فنزلت «١» ، فرجع صلى الله عليه وسلم، ثم قتل منهم بني قريظة، وأجلى بني النضير بقليل، سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا أي:

عادته تعالى: أن يُهلك من أُخْرِجَتْ رسلهم من بين أظهرهم، فقد سنَّ ذلك في خلقه، وأضافها إلى الرسل لأنها سُنت لأجلهم. وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا أي: تغييرًا وتبديلاً.

الإشارة: من شأن العارف الكامل أن يأخذ بالعزائم، ويأمر بما يقتل النفوس، ويوصل إلى حضرة القدوس، وهو كل ما يثقل على النفوس، فإن أتاه من يفتنه ويرده إلى الهوى، حفظته العناية، واكتنفته الرعاية، فيقال له:

وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك وحي إلهام، لتفتري علينا غيره، فتأمر بالنزول إلى الرخص والتأويلات، وإذا لا تخذوك خليلاً. ولولا أن ثبتناك بالحفظ والرعاية، لقد كدت تركنُ إليهم شيئًا قليلاً، وهي:

خواطر تخطر ولا تثبت. إذًا لأذقناك ضعف الحياة، وهو: الذل والحرص والطمع. وضعف الممات، وهو: السقوط عن مقام المقربين، أهل الرَّوح والريحان. وإن كادوا ليستفزونك من أرض العبودية، ليخرجوك منها إلى إظهار الحرية، من العز والجاه، وإذًا لا يلبثون خلافك ممن اتبعك إلا قليلاً لأن من رجع إلى مباشرة الدنيا والحس قلَّ مدده، فيقل انتفاعه، فلا يتبعه إلا القليل. هذه سُنة الله في أوليائه، ولن تجد لسنة الله تحويلا.

ثم أمر بمراسم الشريعة، التي هى عنوان العناية، فقال:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٨ الى ٧٩]

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩)


(١) أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره (٧/ ٢٣٤١) والبيهقي فى الدلائل (باب ماروى فى سبب خروج النبي صلى الله عليه وسلم) إلى تبوك عن عبد الرحمن بن غنم، وضعف الحافظ ابن كثير فى تفسيره (٣/ ٥٣) هذا القول لأن هذه الآية مكية. وسكنى المدنية بعد ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>