قوله تعالى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً، من اقتنى حب الدنيا أحاطت به أشغالها وعلائقها، فهو في نار القطيعة مقيم، أحاط به سرادق الهموم والأكدار، تلدغه عقارب الشكوك والأغيار، بخلاف من أشرقت عليه أنوار الإيمان، وصحب أهل الشهود والعيان، فإنه في رَوْح وريحان وجنة ورضوان، متعنا الله بذلك فى الدارين. آمين.
قلت:(لا تعبدون) : خبر في معنى النهي، كقوله تعالى: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ، وهو أبلغ من صريح النهي، لما فيه من إيهام أن المنهي سارع إلى الانتهاء، وقيل: حُذفت «أن» ، وارتفع المضارع، وهو على حذف القول، أي: وقلنا لهم: لا تعبدون، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالغيب.
يقول الحق جلّ جلاله: واذكروا إذ أخذنا الميثاق على بني إسرائيل وقلنا لهم: لا يتصوّر منكم شرك معي ولا ميل إلى غيري، فلا تعبدوا إلا إياي، وأحسنوا بِالْوالِدَيْنِ إحسانا كاملا، وأحسنوا بِذِي الْقُرْبى نسباً وديناً، وأحسنوا باليتامى وَالْمَساكِينِ، بالمواساة والملاطفة، وَقُولُوا لِلنَّاسِ قولاً حُسْناً أو ذا حسن، وهو ما لا لغو فيه، ولا تأثيم بل ما فيه نصح وإرشاد، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ بإتقان شروطها وكمال آدابها، وأدوا الزَّكاةَ لمستحقها، ثُمَّ بعد ذلك تَوَلَّيْتُمْ، وأعرضتم إِلَّا قَلِيلًا ممن أسلم مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ عن الحق بعد ظهوره.
ذكر الحق تعالى في هذا العهد أربعة أعمال: عمل خاص بالقلب، وهو التوحيد، وعمل خاص بالبدن، وهو الصلاة، وعمل خاص بالمال، وهو الزكاة، وعمل عام وهو الإحسان، ورتَّبها باعتبار الأهم فالأهم، فقدّم الوالدين لتأكيد حقهما الأعظم، ثم القرابة لأن فيهم أجر الإحسان وصلة الرحم، ثم اليتامى لقلّة حيلتهم، ثم المساكين لضعفهم، والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل عهد أخذ على بني إسرائيل يؤخذ مثله على الأمة المحمدية، وهذا حكمة ذكر قصصهم لنا، وسرد مساوئهم علينا لنتحرز من الوقوع فيما وقعوا فيه، فنهلك «١» كما هلكوا، وكل عهد أخذ على العموم باعتبار