للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يتحقق بأوصاف الكمال كالسخاء والكرم، فيبذل ما عنده فى مرضات ربه، فيكون من المتصدقين بأموالهم وأنفسهم، حتى لا يكون لأحد معهم خصومة فيما أخذوا منهم وقالوا فيهم، ثم يصوم عن شهود السِّوى، ثم يحفظ فرجه عن وِقاع الشهوة والهوى، فلا ينزل إلى سماء الحقوق، أو أرض الحظوظ، إلا بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين. ثم يكون من المُسْتَهتَرين بذكر الله، أعني ذكر الروح والسر، وهو مقام الإحسان، الذي هو محل العيان، فيكون ذاكراً بالله، مذكوراً في حضرة الله، مشهوراً في ملكوت الله. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.

ثم ذكر قضية تزويجه- عليه الصلاة والسلام- زينب، مناسبا للحافظين فروجهم، فقال:

[[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٦]]

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦)

يقول الحق جلّ جلاله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ أي: ما صحّ لرجل مؤمن، ولا امرأة مؤمنة، إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً من الأمور أَنْ يَكُونَ «١» لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ أي: أن يختاروا من أحدهم شيئاً، بل الواجب عليهم أن يجعلوا رأيهم تبعاً لرأيه، واختيارهم تلواً لاختياره.

نزلت في زينب بنت جحش، وأخيها عبد الله بنَ جَحْش. وكانت زينب بنت أميمةَ بنت عبد المطلب، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فخطبها- عليه الصلاة والسلام- لمولاه زيد بن حارثة، فلما خطبها، ظنت أنه يخطبها لنفسه، فرضيت، فلما علمت أنه خطبها لزيد كرهت وأبت، وقالت: أنا أم نساء قريش، وابنة عمتك، فلم أكن أرضه لنفسي، وكذلك قال أخوها. وكانت بيضاء جميلة، وكان فيها بذاذة، فأنزل الله الآية «٢» ، فأعلمهم أنه لا اختيار لهم على ما قضى اللهُ ورسولُه. فلما نزلت الآية إلى قوله: مُبِيناً قالت: رضيتُ يا رسول الله، وجعلت أمرها بيد النبي صلى الله عليه وسلم


(١) قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: (يكون) بالياء من تحت. وقرأ الباقون بالتاء وقد أثبت المفسر- رحمه الله- قراءة التاء.
انظر الإتحاف (٢/ ٣٧٦) .
(٢) أخرجه ابن جرير فى التفسير (٢٢/ ١١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>